تصاعدت حدة التوتر بين تركيا والدول الأوروبية والتى وصلت ذروتها مساء السبت، بعدما احتجزت شرطة روتردام الهولندية وزيرة الأسرة التركية فاطمة بتول صيان بعد ساعات قليلة من منع السلطات هبوط طائرة وزير الخارجية التركى مولود أوغلو الذى كان فى طريقه إلى تنظيم لقاءات مع مواطنيه بمدينة روتردام لحثهم على الموافقة على التعديلات الدستورية التى تمنح الرئيس رجب طيب أردوغان المزيد من الصلاحيات.
وبدأ التصعيد بين أنقرة والعديد من العواصم الأوروبية قبل أسابيع وفرضت السلطات فى العديد من الدول قيودا على التجمعات التى ينظمها القادة والمسئولين الأتراك لحث أبناء جالياتهم على التصويت فى الاستفتاء المزمع عقده منتصف إبريل.
وجاءت موجة التصعيد فى أعقاب اكتشاف الأجهزة الأمنية فى دولا من بينها ألمانيا والنمسا وهولندا تورط أئمة أتراك من المنتمين للهيئة الدينية التركية التى توفدها حكومة رجب طيب أردوغان فى أنشطة تجسس ضد الجمعيات والمؤسسات التابعة للمعارض التركى فتح الله جولن.
وفيما وصفت الصحف النمساوية وعدد من الدوائر السياسية رجال الدين الأتراك المقيمين على أراضيها والبالغ عددهم 100 شخص بـ"الجواسيس"، داهمت السلطات الألمانية بالفعل منازل 6 أئمة فى أحد أحياء العاصمة برلين وصادرت وسائط تخزين بيانات ووسائل اتصال ووثائق جميعها كشفت تورطهم فى أنشطة استخباراتية، الأمر الذى دفع الحكومة التركية إلى إعادتهم لبلادهم فى محاولة لاحتواء الموقف.
ومع اقتراب موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى تركيا وتحرك نظام رجب طيب أردوغان فى الداخل والخارج لحشد الأتراك للتصويت بنعم لانتزاع المزيد من الصلاحيات فى ظل موجة القمع التى يقودها ضد المعارضة، أقدمت كلا من هولندا والنمسا وسويسرا والسويد على منع تجمعات لحزب العدالة والتنمية التركى الحاكم على أراضيها فى إطار حملته لاستمالة الناخبين الأتراك. وأكد مسئولو تلك الدول عدم السماح لساسة الدول الأخرى باستخدام اراضيها لحملاتهم الانتخابية وإقامة تجمعات تشكل خطرا على النظام والأمن العام.
وقالت وكالة رويترز فى تقرير لها الأحد، إن السلطات السويدية ألغت تجمع لمؤيدى التعديلات الدستورية حيث ألغى مدير المقر الذى كان سيتضيف اللقاء فى العاصمة عقد الإيجار الموقع مع الحزب التركى دون إبداء أسباب.
وفى هولندا، أقدمت السلطات على منع طائرة وزير الخارجية التركى مولود أوغلو من الهبوط مساء السبت، بعد ساعات من تهديده بعقد لقاء مع أبناء الجالية التركية بمدينة روتردام رغم الحظر، وتحذيره من إقدام بلاده على توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية صارمة.
فى المقابل، أعلنت الحكومة التركية عدم رغبتها فى عودة السفير الهولندى لدى أنقرة والذى يقضى عطله خارج تركيا، واستدعت وزارة الخارجية القائم بالأعمال الهولندى وأقدمت على غلق السفارة الهولندية فى العاصمة أنقرة، وقنصليتها بمدينة اسطنبول، كما أغلقت مقرات إقامة السفير أو القائم بالأعمال والقنصل العام لدواع أمنية.
وفى حلقة جديدة من التصعيد، أقدمت السلطات الهولندية على توقيف سيارة وزيرة الأسرة التركية فاطمة بتول صيان قايا بعد وصولها إلى المدينة برا قادمة من ألمانيا وهى فى طريقها إلى مقر القنصلية التركية فى مدينة روتردام، لإلقاء كلمة دعائية أمام تجمع للجالية التركية.
وقالت الوزيرة التركية فى تصريحات نشرتها وكالات الأنباء والتليفزيون التركى: "حرية التعبير والتجمع والتحرك جميعها معلقة الآن فى أوروبا"، مشددة على أن مقر القنصلية التركية فى روتردام "يعد أرضا تركية". وقالت فى كلمة موجهة للأتراك: "إن شاء الله فإن مواطنينا سواء فى وطننا أو فى أوروبا سيعطون الغرب أفضل درس عبر التصويت فى الاستفتاء".
كما غردت على حسابها فى موقع "تويتر"، قائلة: "يتم نقلى حاليا من هولندا إلى ألمانيا عبر حدود مدينة نايميخن الهولندية، فى خطوة تتجسد فيها كافة مقومات امتهان الديمقراطية والإنسانية".
وأضافت: "أدين باسم الشعب التركى خطوة الحكومة الهولندية وعلى العالم اتخاذ موقفا باسم الديمقراطية فى مواجهة هذه الممارسة الفاشية". وتابعت: "مثل هذه المعاملة لا يمكن قبولها بحق وزيرة".
من جانبه قال رئيس الوزراء التركى، بن على يلدريم، إن بلاده سترد بقوة على ممارسات السلطات الهولندية "غير المقبولة بأى حال"، ضد وزيرى الخارجية والأسرة التركيين. وأعرب يلدريم عن اعتقاده بأن "الحادثة ناجمة تماما عن السياسة الداخلية فى هولندا، فالبلاد متجهة لانتخابات مزمعة بعد يومين، ويبدو أن هناك مشاكل بالسياسة الداخلية لهولندا"، فى إشارة إلى استغلال الساسة الهولنديين للحدث كورقة انتخابية للحصول على الأصوات.
وشدد على أن ما حدث السبت للوزيرين "لا يمكن قبوله بأى شكل من الأشكال"، مؤكدا أن تركيا "سترد على ذلك بشكل شديد اللهجة". وقال رئيس الحكومة التركية إن "هولندا لم تمتثل لأى من قواعد الدبلوماسية واللباقة"، داعيا المواطنين الأتراك بهولندا إلى عدم الانجرار وراء الاستفزازات، والمحافظة على الهدوء والتحرك بعقلانية.