لم يبالغ عبد الرحمن "الطفل الراقص مع الكلاب" عندما قال إن الكلاب فى الشارع أحن عليه من أبيه، هم كذلك بالفعل كما أنه لا يبالغ فى حبه لأصدقائه من الكلاب، فهم السند والونس فى الحياة التى قست عليه فى الصغر وصدرت له أبشع ما فيها، أم يتوفاها الله فيتزوج الأب من امرأة قاسية ويطرد صغيريه من البيت، لكن الله أراد لهذا الولد النجاة وأكرمه بمئات ممن يريدون المساعدة ولعل السبب الرئيسى فى التعاطف والحب الكبيرين لعبد الرحمن هو وحده السبب فيهما ولا فضل لأحد غيره فى ذلك.
إن أردت أن تعرف السبب فعليك الاستماع إليه والتأمل فى نظرات عينيه وطريقة كلامه، عليك رؤيته وهو يأكل ويشرب ويتحدث عن كلابه، لن تصدق إنه طفل بل هو رجل كبير مدرك ولبق ومؤدب وفطن وذكى وموهوب وحديثه شيق ودمه خفيف وضحكته صادقة وصوته منخفض ولغته مهذبة، صفات تجعلك تتساءل عن هذا البيت العريق الذى ربى طفلا بهذه السمات، فتتعجب من كونه طفل شارع، فتدرك أن الشارع أيضا مثله مثل أصدقائه من الكلاب كان أحن عليه من أبيه فأنبته نباتا حسنا وجعل منه رجلا حقيقيا يعجز الكثير من الآباء عن تربية مثله، فالشارع كان أبا رحيما مخلصا للطفل رباه وجعله رجلا حقيقيا، واسمحوا لى أن أنقل إليكم جزءا من حديثى معه فى اليوم السابع أثناء زيارته للمؤسسة، بعد ان أعلن اليوم السابع تبنيه الحاله لتدركوا لماذا أقول ذلك.
عندما قلنا لعبد الرحمن إننا سنحضر له شقة يعيش فيها قال صادقا .. "شقة كتير اوى هتتعبوا نفسكوا ليه .. كفايه اوضه انا اصلا هقعد لوحدى وشقة هتكون كبيرة اوى عليا"، قلت له "سوف تبحث عن أخيك ليعيش معك كما انك ستأخذ أصدقاءك الكلاب معك فى الشقة الجديدة ، فتبسم بفرح وقال "اه كده مش هتبقى كبيرة بس انا برضو مش هعرف اخد كل الكلاب لانهم كتير وهما اللى بيحرسوا الشارع والورش من الحراميه، انا هاخد الصغيرين كلهم علشان بيسقعوا باليل اوى، لغاية ما يكبروا أرجعهم الشارع علشان يكونوا مع امهاتهم ويشوفوا بعض ولو فى كلاب صغيرة تانى أخدها برضو".
قال أيضا إنه يعمل ويكسب وعندما يكون معه جنيهات قليله (٥ جنيهات) حسبما ذكر، يقوم بشراء بأربعة جنيهات اكل للكلاب لأنها كثيرة ويأكل هو بجنيه واحد، عندما كان يثنى أحدهم عليه ويقول له انه راجل جدع فكان ينظر الى الارض فى خجل ويقول انتوا ناس محترمة، عرضت عليه إحدى الزميلات ان يقيم معها فى منزلها حتى يجهزوا له محل الإقامة الجديد فقال "ميصحش اقعد معاكى".
وإعمالا بأصول الضيافة تشرفنا بتناول وجبة الإفطار معه وبعض الزملاء أحضروا له الحلوى فلم يكن ملهوفا على شىء، أكل كبشوات الستينيات بهدوء وبطريقة لائقة وأخبرنا انه لا يفضّل الحلويات لذا لن يأكلها، فيترك الدهشة فى قلبك من هذا الأدب الذى اتسم به والرحمة التى زرعها الله فى قلبه والقناعة والرضا وعزة النفس التى أصبحت كلها عملات نادرة فى زمن قل فيه الأصل، فكل الشكر للشارع ولتربيته التى اثبتت انها قد تكون افضل من تربية البشر احيانا.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
عبد الرحمن
يا دينا ..كلاب الأيام دى بتعض وتخربش وأصبحت سلعوه متوحشه