تؤثر سياسة إعادة توزيع الدخل القومى فى معدلات الاستثمار الجديدة لذا يجب أن نشير هنا إلى التغيرات التى تحدث فى مستوى الضرائب وفى مستوى الإنفاق العام للدولة والتى تواكبها ، وما يترتب عليهما من تغيرات فى الكفاية الحدية لرأس المال وأسعار الفائدة ، وهما المتغيران الأساسيان اللذان يحكمان معدلات الاستثمار فى أى دولة. فالضرائب على الدخول والثروات وخاصة التصاعدية منها ، تؤدى فى مصر إلى إعادة التوزيع فى صالح الطبقات الفقيرة ، وهى الطبقات ذات الاستهلاك المرتفع. وعليه ينخفض الادخار القومى ، وهو ما يعنى خفض مصادر تمويل الاستثمار.
وهذه النتيجة تؤدى إلى إعاقة الاستثمارات الجديدة المطلوبة. ونضيف إلى هذا الأثر الانكماشى التى تؤدى إليه الضرائب فى تقليص مصادر تمويل الاستثمار، حيث إن التوسع فيها يؤدى إلى إضعاف الباعث على العمل وإلى خفض الميل للاستثمار وهو ما ينقص الكفاية الحدية لرأس المال، مما يعوق تكوين الاستثمارات الجديدة أيضا. ورغم ذلك، أود أن ألفت نظر الحكومة إلى أن الدراسات الحديثة قد دلت على أن الضرائب ذات السعر المرتفع لا تؤدى بصورة واضحة إلى إعاقة الاستثمار (حتى فى الولايات المتحدة الأمريكية) وذلك لأن هذه الاستثمارات الجارية أو الجديدة تتوقف بالأساس على حجم ودرجة استقرار الأسواق وعلى التوقعات الخاصة بظروف الإنتاج (مثل أسعار الصرف والطاقة وسياسة تحويل العملة والتقاضى والتحكيم المحلى والدولى) وحجم الطلب الكلى المنتظر فى المستقبل وعناصر فنية أخرى، ليست أسعار الضرائب أهمها كما يخيل لنا البعض. فالاستقرار والظروف السياسية والاجتماعية والأمنية تحتل مكانة متقدمة عن غيرها فى تحديد حجم الاستثمارات الجديدة.
ويمكن فى النهاية عن طريق الإعفاء الضريبى أو تخفيضها على بعض الاستثمارات المطلوبة فى الخطة القومية، ورفعها على البعض الآخر، ننتهى إلى "إعادة توجيه الاستثمارات"، وهو ما يعنى إعادة توزيع الدخل القومى بين مختلف فروع النشاط الاقتصادى وبالتالى يؤدى إعادة توزيع الدخل القومى بين مختلف الفئات الاجتماعية بصورة عادلة ، هذا إذا رغبت الحكومة المصرية الجديدة فى تحقيق التوازن الاجتماعى وزيادة الناتج القومى معا ، وزيادة الاستثمارت الخاصة والعامة أيضا. يومها سوف يعود النفع من هذه السياسات الجديدة على كل المصريين، وتوزع المكاسب المتوقعة من المؤتمر الاقتصادى "مصر المستقبل" بالعدل على كل القوى الاقتصادية المنتجة ، ليسود التوازن الاقتصادى ويعم السلام الاجتماعى الذى غاب عنا طويلا ، ويحصل كل على حصته العادلة من ثمار التنمية المنشودة لمصر الحديثة.