القيادة المصرية وضعت عددا من الأهداف تعمل على تحقيقها بالتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة
جزء مهم من التغيرات التى تشهدها التحركات المصرية الخارجية أنها تبحث دوماً عن تحقيق النتائج، دون الاكتفاء بالأمور الشكلية التى اعتدنا عليها مع رؤساء سابقين، فمصر بعد 30 يونيو لا تبحث عن ترديد عناوين براقة، مثل أول رئيس مصرى يزور دولة معينة، أو أن الرئيس هو محل اهتمام من الدول الكبرى، فهذه الأكليشيهات مرفوضة تماماً من جانب القيادة المصرية الحالية، لأنها لا تتناسب مطلقاً ولا تعبر عن التحركات المصرية الحقيقية، التى لا تبحث عن الشو الإعلامى قدر بحثها عما يمكن تحقيقه من هذه التحركات.
من هذا المنظور يمكن فهم الزيارة التى قام بها الأيام الماضية سامح شكرى، وزير الخارجية للعاصمة الأمريكية واشنطن، التى جاءت فى توقيت مهم، وتحمل معها مضامين غاية فى الأهمية، أما بالنسبة للتوقيت كونها تأتى قبل الزيارة المرتقبة للرئيس عبدالفتاح السيسى لواشنطن وعقد لقاء القمة الذى سيجمعه برئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. أما فى المضمون، فإنها إشارة ذات دلالة بأن القاهرة لا تنظر لزيارة السيسى لواشنطن المرتقبة باعتبارها «شو إعلامى»، أو للإعلان عن شعارات براقة دون تحقيق نتائج على الأرض، فالقيادة المصرية وضعت مجموعة من الأهداف تعمل منذ فترة على تحقيقها، من خلال التفاهم والتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لذلك فإنها حريصة على أن يسبق زيارة السيسى إجراء مناقشات موسعة بين القاهرة وواشنطن حول القضايا المهمة، سواء الثنائية أو الإقليمية، حتى يحدث تفاهم بين الجانبين، وحتى تحقق القمة المطلوب منها.
شكرى خلال وجوده فى واشنطن التقى نظيره الأمريكى «ريكس تيليرسون»، ومستشار الأمن القومى الأمريكى الجديد «هيبرت ماكماستر»، ونوابا بالكونجرس، ودار الحديث حول ملفات ثلاثة، هى محور النقاش حالياً، الأول: متعلق بالعلاقات المصرية الأمريكية، فشكرى قدم لمن التقاهم شرحاً للتطورات الاقتصادية والسياسية والأمنية التى تشهدها مصر، وما برهنته الإجراءات التى تبنتها الحكومة المصرية خلال الفترة الأخيرة من إرادة سياسية جدية فى تبنى برنامج إصلاحى شامل يتبنى منهجا متدرجا يحافظ على استقرار المجتمع، من أجل إتمام عملية التحول الديمقراطى بنجاح.
وارتباطا بذلك هناك ملف المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكى لمصر، حيث فهمت إدارة ترامب من خلال لقاءاتها مع المسؤولين المصريين أهمية استمرار الدعم الأمريكى لمصر، كى تتمكن من مواجهة التحديات المتزايدة، سواء فيما يتصل بجهود مكافحة الإرهاب، أو ما يتصل بتعزيز ودعم الاستقرار والسلام بمنطقة الشرق الأوسط، وأن الشراكة المصرية الأمريكية تحقق مصالح الطرفين ومصالح الشعبين المصرى والأمريكى، مع الأخذ فى الاعتبار أيضاً أن استقرار مصر يعد عنصراً أساسياً لاستقرار منطقة الشرق الأوسط ولحماية المصالح الأمريكية فى المنطقة، وبالتالى فمن المهم أن تنظر واشنطن للعلاقة مع مصر بمنظور مختلف عن ذلك الذى كان سائداً خلال إدارة الديمقراطى باراك أوباما.
الملف الثانى: مرتبط بجهود مكافحة الإرهاب فى مصر والمنطقة، وما تمثله هذه الظاهرة من تهديد يتطلب تضافر جهود المجتمع الدولى للقضاء عليها، وهناك تعويل على الدور الأمريكى فى هذا الملف، خاصة اذا استمرت الولايات المتحدة فى طريق اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية، لأنه من خلال هذه الخطوة سنقصر الطريق نحو قطع الطريق أمام إمداد هذه الجماعة الإرهابية بالأموال التى تكفل لأعضائها القيام بأعمالهم الإرهابية ليس فى مصر فقط، وإنما فى المنطقة كلها.
الملف الثالث متعلق بالأزمات فى منطقة الشرق الأوسط، تحديداً فى سوريا وليبيا والقضية الفلسطينية، فقد شرحت مصر موقفها تجاه سوريا الذى يتأسس على أهمية دعم تطلعات الشعب السورى وحماية وحدته الوطنية، والحفاظ على مؤسساته من خلال التوصل إلى حل سياسى يتوافق عليه كل أطراف الأزمة، وفى ليبيا تم التأكيد على محورية اتفاق الصخيرات فى تحقيق انفراجة بين أطراف الأزمة، كما أخذ المسؤولون الأمريكيون علماً بنتائج الجهود الأخيرة للجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا مع الأطراف الليبية المختلفة. وفى فلسطين جرى التأكيد على الأهمية التى توليها الحكومة المصرية والتزامها بدعم إقامة الدولة ألفلسطينية، أخذاً فى الاعتبار أيضاً الجهود المصرية الرامية إلى إعادة الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى إلى طاولة المفاوضات. الشاهد أن زيارة شكرى جاءت فى إطار الرؤية المصرية الجديدة بأن أى زيارة أو جهد داخلى أو خارجى يجب أن تسبقه تفاهمات وحوارات تحدد مبادئ الحوار وما سينتج عنه من قرارات.