بدون تعليم وصحة لا حياة ولا عمل ولا إنتاج ولا تقدم فمن يسمع ومن يفهم؟
اعتاد الكثيرون بسبب زو بدون سبب على توجيه نقد للزعيم عبد الناصر ولقراراته ولعهده. ولما كانت دائماً الأنظمة السياسية أى أنظمة هى بنت وقتها وتتسق مع زمانها، فالنظام السياسى هو نتيجة لواقع وإفراز لمعطيات سياسية محلية وإقليمية وعالمية، لذا تتغير منطلقات هذه الأنظمة وتتبدل توجهاتها حسب قراءة الواقع السياسى وتوصيف مشاكله وقراءة قضاياه، وعلى ذلك فمن الطبيعى ألا يتفق ويتوافق الجميع بلا استثناء مع أى نظام سياسى، فالنظام الذى يعبر عن أغلبية الشعب مثل نظام عبد الناصر، فهناك تلك الأقلية من بقايا الأقطاع وسيطرة رأس المال ومن أضيروا من نظام عبد الناصر أن يرفضوا عبد الناصر ونظامه وهذا طبيعى ومقبول، ولكن غير الطبيعى أن يرفض عبدالناصر من استفادوا منه تعليماً وعلاجاً وتوظيفاً، كما من غير الطبيعى أن يكون الحديث حول الرفض غير المنطقى بعد حوالى نصف قرن من وفاة عبد الناصر، وبعد إنهاء نظام عبد الناصر وإسقاط توجهاته منذ عام 1974 بعد تسليم السادات كل الأوراق لأمريكا بعد زيارة نيكسون عام 1975. فمن الواضح أن تقاد عبد الناصر قد أصبح طريقاً للمتوهمين والمتطلعين للانتساب للطبقات الأعلى، وكأن أجدادهم وآباءهم كانوا من الإقطاعيين والرأس ماليين، وعلى كل الأحوال فهذا وذاك دليل على تأثير حضوره وصحة قراراته واحتياج الواقع لكثير منها ولو بشكل مباشر وحسب معطيات الواقع، خاصة قضايا الاستقلال السياسى والعدالة الاجتماعية وهو حضور الغائب الحاضر. ومن أمثلة هذه التصريحات الخائبة تصريح لوزير الصحة الذى حمل عبد الناصر نتيجة فشله فى إدارة العملية الصحية، وكأن عبدالناصر مازال يحكم، وذلك بحجة مجانية العلاج وسياسة عبد الناصر العلاجية، فهذه التصريحات وغيرها تدل على غياب رؤية سياسية ومفاهيم ثقافية وإفلاس فى المعلومات التاريخية. فالوزير ذاته يعترف بالغياب الكامل لأى خدمة صحية تقدم للمواطن ناهيك عن قضية غلاء أسعار الأدوية التى تصدى فيها لصالح الشركات استغلالاً للفقراء، وبالطبع فالمواطن العادى يعلم ويدرك ويعانى من هذا الواقع الصحى المتردى، مع العلم أن عبدالناصر الذى يحمله المسؤولية هو من اهتم بالمنظومة الصحية فقد أنشأ الوحدات الصحية فى القرى فى مواجهة الأمراض المتوطنة وحالة الفقر التى لم تكن تستطيع مواجهة ذلك إنشاء المستشفيات المركزية فى المراكز ورعاية الطفولة والأمومة. كما نذكر هنا أنه فى ستينيات القرن الماضى قد أقر سعد زايد محافظ أسيوط نظاماً اشتراكياً حقيقياً يتوافق مع توجهات عبد الناصر فقد حدد أجر الكشف الطبى لدى الأطباء فى عياداتهم الخاصة بثلاثة قروش «أى 3% من الجنيه المصرى»، مقابل راتب شهرى للأطباء. فهذا هو نظام عبدالناصر أما التلكك والتهرب من الفشل فى تقديم أى خدمة صحية سواء فى المستشفيات العامة أو حتى الخاصة بعد تحول تلك الخدمة إلى بزنس لا يقدر عليه الغالبية الغالبة من الفقراء وغير القادرين حتى الطبقة المتوسطة وما فوقها، إضافة إلى نار أسعار الأدوية بما لا يتوافق مع تدنى الدخول خاصة بعد أزمة التعويم، فبدلاً من تحميل عبد الناصر مسؤولية الفشل فلينظر الوزير كيف يقدم خدمة صحية تساعد وتساهم فى إعداد مواطن يساهم فى عملية التنمية الحقيقية لصالح الوطن والمواطنين، فالمجانية هى فى كل بلدان العالم الراقى والمتقدم، فبدون تعليم وصحة لا حياة ولا عمل ولا إنتاج ولا تقدم فمن يسمع ومن يفهم؟ ولكِ الله يا مصر.