فاطمة ناعوت

الأرنبُ الصغير.. يا وزير التعليم!

الأحد، 26 مارس 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«فَرِحَتِ الأرَانِبُ وَرَقَصَتْ وَغَنَّتْ لِأنَّهَا تَخَلَّصتْ مِنَ الأسَّدِ. وَعَاشَتْ فِى سَلامٍ وأَمَانٍ». كانت هذه قطعة إملاء لطيفة بعنوان: «الأرنبُ الصَّغِير»، كتبها طفلٌ فى سِنىّ عمره الأولى بإحدى مدارس مصر التابعة لوزارة التربية والتعليم. كَتبَها التلميذُ الطفلُ بتنضيد جميع الحروف، تمامًا كما هى ظاهرة بالمقال. ولأمانة النقل لم يخطئ، إن كان يُعدٌّ خطأً، إلا فى وضع «سكون» على حرف التاء فى كلمة «فَرِحَتْ الأرانبُ»، تلك التى استبدلتُها أنا بالكسرة: «فَرِحَتِ الأرانبُ»، «لعدم التقاء ساكنين». فيما عدا هذه التفصيلة المعقدة على طفل، لم يخطأ التلميذُ أى خطأ لا فى الإملاء ولا فى النحو والصرف. كما ترون، طفلٌ واعدٌ أمسك بزمام اللغة العربية على نحو أرقى إجادةً ووعيًا من كثير من خريجى الجامعات المصرية، حتى من أبناء الكليات الأدبية. بارك الُله فى الطفل الجميل وفى وعيه المبكّر، وبارك فى أسرته التى دون شكّ كانت وراء ذلك الإحساس الجميل بأجرومية اللغة العربية الصعبة. لكن هناك عنصر آخر غير الأسرة يتدخل فى تعليم الطفل. «المعلّم». لا شكّ أن هناك معلّمًا جميلًا أو معلّمة جميلة وراء هذا الوعى اللغوى. ولكنْ.. وآهٍ من «لكن»، تلك التى تختبئ وراءها الكوارثُ دائمًا. لكنّ للأسف «يتعاقبُ المعلمون ويختلفون». هذا الطفلُ أنشأه معلمٌ ذكىٌّ أو معلّمة ذكية فى العام الماضى، فتكوّنت تلك الإجادةُ اللغوية المبكّرة. لكن معلّمة هذا العام جاءت لتُفسد ما صنعته معلّمةُ العام الماضى.
 
بالقلم الأحمر الغليظ، شطبت المعلمةُ «المُصحِّحَةُ المِصَحْصَحَةُ المثقفةُ بتاعة المدارس»، شطبت على كلمة «تَخَلَّصت» التى كتبها الطفل على نحو الأصح والمُشكّل المُنضّد، وكتبت فوقها بكل جسارة وجرأة وثقة عجيبة بالنفس، وبذات القلم الأحمر الغليط: «تخلاصت»!!!! ثم خصمت درجةً من درجاته زورًا وظلمًا، وأعطته 10/9!!!!! وكأنما أنقصتِ المعلمةُ تلميذَها درجةً من عشرة مقابل خطأها هى، لا خطأه هو!!!
 
الحكاية أخطرُ من درجة تزيدُ أو تنقص. الحكاية أن هذا التلميذَ سوف ترتبك موازينُه. لأن المعلم بالنسبة للتلميذ الصغير، له قيمةٌ تقترب من القداسة والتنزيه عن الخطأ. أذكر وأنا طفلة صغيرة، أننى كنتُ أنظر إلى معلّماتى كأنهن أنصافُ آلهة. ربّاتٌ إغريقيات من جبال الأولمب. كنتُ مؤمنة أنهنّ جمعن المعارفَ والعلومَ والفنونَ جميعَها فى رؤوسهن. لا يُخطئن كما نخطئ نحن البشر العاديين. حتى أننى أذكر صدمتى المروّعة حين دخلتُ الفصلَ يومًا بعد الفُسحة ولمحتُ «ساندوتش» فى يد ميس سميحة!!! هل تأكلُ المعلماتُ مثلما نأكل؟! هل يجُعن كما نجوع؟! كيف تجوعُ الآلهة وتأكل؟! دعكَ من سذاجتى كطفلة إذا ما قورنت بأطفال اليوم الأكثر منّا فهمًا والأقل خيالا وشاعرية ربما. لكن الحتمى أن اهتزاز تلك الصورة المُنزّهة الافتراضية عن المعلّم فى ذهن التلميذ، وسقوط الهالة القدسية عن رأس أستاذه، يُربك، دون شك معايير الصغير ويجعله يفقد الثقة فى العالم من حوله. إن كانت المعلمةُ لا تعرف، فمن ذاك الذى يعرف؟! إن كانت المعلمةُ تخطئ، فمن عساه لا يُخطئ؟!
 
تلك المعلمةُ المسكينة هى نِتاج منظومة التعليم الفاشلة منذ عقود طوال فى بلادنا. وكذلك لأن حساباتٍ هزليةً جعلت كليات التربية التى تُخرج لنا المعلمين، ليست من كليات القمّة! وهى الأولى أن تكون! المعلّمُ أهمُّ من الطبيب ومن المهندس. لأنه هو الذى يعلّم من سيغدو طبيبًا ومهندسًا وقاضيًا ومحاميًا وسفيرًا وعالِمًا ورئيس دولة وملكًا وسلطانًا. فكيف تكون تلك الكلية بمجموع هزيل فى الثانوية العامة؟!
 
التعليم فى مصر كارثىٌّ يا معالى وزير التعليم. حِملك ثقيل كما كتبتُ لك فى عمودى بالمصرى اليوم يوم توليّك ذلك المنصب العسِر. عليك أن تُصلح ما أفسده من سبقوك. إليك رسالة كتبها أحدُ أبناء ذلك التعليم للإعلامية إسعاد يونس وأرسلتها لنا، نحن أصدقاءها، لكى نحلّ شفرتها معًا. اقرأ معى ماذا كتب:
 
«مساء الخير يا أوسازة، أنا مصمم الأسياء حمادة بون سيواريه، كنت عايز أظهر مع حضرتشك فى البرنامج، برنامج كمة كمة كمة، أنا عملت استعراض أسياء فى دبى!!!!!!! وعمل ضجة كوية جدا، بصمم أسياء وفساتشين كمة، ويَب ومناطيل أسطورة يعنى، هه؟، أجيلك امتى؟؟؟؟؟».
 
يا سيادة وزير التربية والتعليم، فضلًا، حاول أن تنقذَ هذا «الأرنب الصغير» قبل أن يتحوّل، بفضل تلك المعلمة ومثيلاتِها إلى: «سلحفاة».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة