أتذكر رحيل الفنان الكبير أحمد زكى، وكأنه حدث بالأمس، كان يوم الثلاثاء 27 مارس 2005، شوارع القاهرة مغلفة بالصمت، المواصلات العامة تسير دون ضجتها المعتادة، لا صخب ولا شجار كل واحد يغلق باب نفسه عليه، فقط الموت كانت سيرته تملأ الشوارع.
فى الجامعات والمصالح الحكومية والبيوت، لم يكن للناس حديث سوى رحيل أحمد زكى، كأن موته بالنسبة إليهم مفاجأة مع أنهم كانوا يعرفون بمرضه ويعرفون بتردى الحالة، وشاهدوا على التليفزيون المصرى حديثه الذى حاول أن يبدو فيه متماسكًا، ويقلل من أثر المرض، وشاهدوا سيارة الإسعاف التى كانت تنقله لمطار القاهرة للعلاج فى فرنسا، ومع ذلك خرجت الصحف لتقول «عملها أحمد زكى ومات».
أتذكر ذلك وأصر على أن علاقة الشعب المصرى بأحمد زكى يوم رحيله تحتاج إلى دراسة متأنية، فرغم مرور السنوات لا تزال الأسئلة تطرح نفسها: لماذا أصابت الجميع غصة عند سماعهم الخبر، وكيف عرفت الأمهات فى القرى البعيدة أن أحمد زكى مات ومسحن دمعهن بطرف شالهن؟، لقد تجاوز أحمد زكى يوم رحيله، عند الناس، فكرة الممثل الذى يشاهدونه فى السينما أو فى التليفزيون، وتحول فى لحظة نادرة لا تحدث مع الكثيرين، إلى جزء من كل أسرة مصرية، حزنوا عليه لأنه منهم كأنه أب مهم مات فجأة أو ابن غائب كانوا ينتظرون عودته سالمًا لكنه عاد فاقدًا الحياة فى صندوق خشبى كئيب.
أحب الناس أحمد زكى، ليس لأنه يقدم شخصيات تشبههم فقط، لكن هناك شىء ما فى أحمد زكى يربطه بالناس الذين لا يعرفونه، ربما إحساس اليتم الذى كان مصاحبًا له بشكل دائم، وربما نظرته الكاشفة عن حاجته للأسرة، وربما الحكايات المعروفة عن طفولته، ربما مرضه، لا شىء بالتحديد، بل أشياء كثيرة كلها تجمعت لتصنع هذه اللحظة.
كثيرة هى الأفلام التى تحسب لأحمد زكى ولرصيده الفنى، وتقريبًا كل مشاهد للفن يعتبر أن فيلمًا أو أكثر هو أهم ما أبدعه أحمد زكى، خاصة أنه ظل حتى أيامه الأخيرة مصر على العمل، ولعل كواليس فيلم حليم تؤكد ذلك، لكننى أعتبر أن فيلم «العوامة 70» هو الفيلم الذى تشاركنا فيه أنا وأحمد زكى وجدانيًا، كانت روحه فى الفيلم عالية جدًا وطاغية على كل شىء.
مرت 12 سنة على الرحيل، ولا يزال أحمد زكى كما هو حاضرًا بقوة ولا يزال فرس رهان فى كل المقارنات، حتى الأجيال الجديدة التى أصبحت تشاهد أفلامه كـ تراث فنى تعرف دوره وقيمته وإبداعه.