حتى الآن يبدو أن الأوروبيين لا يدركون مصر جيدا، وأنها تحتفظ لنفسها بخصوصية تجعلها فريدة عن غيرها من الدول سواء الإقليمية أو الدولية، وخير مثال على ذلك الموقف المصرى من قضية اللاجئين، ففى الوقت الذى نادى فيه الكثيرون بإنشاء مركز لإعادة توطين اللاجئين فى مصر، قالتها مصر صراحة إنها لا يمكن أبدا القبول بهذا الأمر، ليس لأسباب أمنية أو سياسية، ولكن لسبب آخر مهم لا يدركه إلا من تعامل مع الشعب المصرى.
هذا السبب يكمن فى أن مصر منذ قديم الأزل وهى تفتح أبوابها للأشقاء العرب، وللأصدقاء من كل دول العالم، التى عانت من اضطرابات سياسية وعسكرية أجبرت آلاف المواطنين من هذه الدول إلى ترك بيوتهم وممتلكاتهم، والبحث عن مكان بديل آمن لهم، فبعضهم اختار مصر وآخرون اختاروا دولاً أخرى، ومن اختار مصر وجد فيها ترحابا شديدا من الشعب قبل الحكومة، فعاشوا داخل البلاد وسط المصريين من دون معسكرات إيواء، بل منهم من قرر الاستقرار بشكل نهائى فى مصر، حتى بعد أن هدأت الأوضاع فى بلده، لكنه رأى مصر لا تختلف كثيراً عن بلده، فقرر البقاء فيها.
هذه هى مصر التى لا يدركها الأصدقاء فى أوروبا، فمصر رغم ما تتحمله من أعباء باعتبارها دولة عبور للمهاجرين ومقصدا للاجئين، حيث تستضيف نحو 5 ملايين لاجئ، لكنها فى المقابل تحرص على معاملتهم كمواطنين وتوفر لهم الخدمات الصحية والتعليمية، كموطنين وليس لاجئين، فى بيوت إخوانهم المصريين وليس فى معسكرات إيواء، حتى فى ظل أوضاع اقتصادية صعبة لم تقصر مصر أبدا فى التعامل بكرم وأخوة مع من اختاروها مقرا مؤقتا للإقامة.
هذه هى مصر التى لا يدركها الأصدقاء فى أوروبا، فهى ليست دولة إيواء، وإنما مرحبة دوما بالأصدقاء والأشقاء وقت محنتهم، مقدمة نموذج أخلاقى وإنسانى يجب أن يكون السائد فى كل دول العالم التى عليها أن تدرس الحالة المصرية جيدا، وخاصة ما يقوله الرئيس عبدالفتاح السيسى دوما «تتحمل مصر أعباء استضافة قرابة 5 ملايين لاجئ، مسجلين وغير مسجلين، ونعمل على توفير الحياة الكريمة لهم، دون عزلهم فى مراكز إيواء، ونوفر لهم الخدمات بالمساواة مع المصريين»، فهذه تجربة فريدة من نوعها، توفر الاحترام والأمن لعائلات وجدت نفسها مجبرة على ترك كل ما تملكه وتهاجر، فهل نحسن استقبالهم أم نضعهم فى مراكز إيواء أشبه بالسجون؟.. مصر اختارت الحل الأول لأنه الأكثر إنسانية وارتباطا بقواعد حقوق الإنسان التى يحدثنا عنها كثيرا الأصدقاء الأوربيون.
ربما لا يدرك كثيرون أن عملية دمج اللاجئين أو المهاجرين فى المجتمع تخلق لهم ظروفاً أفضل، كما أنها تعود بالنفع على الدول المستضيفة، إذ يساعد على فتح أسواق جديدة، وخلق فرص استثمارية، وهو ما حدث فى مصر حينما استضافت الاشقاء الليبيين والسوريين ومن قبلهم العراقيين والسودانيين، فهؤلاء اندمجوا جميعا فى المجتمع المصرى وانصهروا مع المصريين، فظهر منهم التاجر والصانع والحرفى، وغيرهم، فاستفاد هؤلاء كما استفاد اقتصاد مصر منهم، والأفضل من كل ذلك أن الأشقاء السوريين على سبيل المثال منحونا قوة دفع تجاه العمل.
أعتقد أن تجربة مصر فى استقبال اللاجئين والمهاجرين تستحق فعلاً أن يتوقف أمامها الغرب كثيرا، فالحل ليس دائما أمنيا أو سياسيا، وإنما يجب أن يقترن بالحلول الاجتماعية والاقتصادية أيضا.