بعد 30 يونيو أصبح راسخاً لدى الجميع، أن مصر تدير علاقاتها الخارجية وفقًا لمجموعة من المبادئ والاستراتيجيات، القائمة على فتح الباب لعلاقات مع الجميع تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم الخضوع لأحد، مع الحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى والإقليمى، وزاد على ذلك أن مصر فى علاقاتها الخارجية لا تعتمد على سياسة الأحلاف أو المحاور، كما أن علاقاتها مع دولة ما لا يمثل خصمًا من علاقة مصر بدولة أخرى، بل هى علاقة تكامل.
من هذا المنطلق جاءت علاقة مصر مع دول الجوار، ومن بينها السودان، التى تحتفظ مصر بعلاقات جيدة مع قياداتها السياسية، رغم حالة الجفاء التى سيطرت على العلاقة بين القاهرة والخرطوم لسنوات طويلة لأسباب أمنية وسياسية، يتحمل الجانب السودانى الشق الأكبر منها، لكن مع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى، فتحت مصر صفحة جديدة مع الخرطوم، هدفها تطوير العلاقات القديمة والتاريخية بما يحفظ الإرث التاريخى الذى يجمع شعبى وادى النيل، وطرح أى خلاف بين البلدين على مائدة الحوار، وللحقيقة فقد حققت هذه الاستراتيجية المطلوب منها، وقد تابعنا جميعًا التغير الذى طرأ على القيادة السودانية تجاه مصر، لكن رويدًا رويدًا بدأنا نلمس تغيرًا غير محمود فى شكل العلاقة بين البلدين، لأسباب غير معلومة حتى الآن، فعلى مستوى قيادة الدولتين هناك حفاظ على خيط التواصل المهم بين البلدين، لكن بين الحين والآخر نسمع تصريحات من الخرطوم تعكر صفو الجو الذى كان هادئًا، وآخرها ما قاله الرئيس عمر البشير بوجود معلومات لديه عن دعم مصرى عسكرى لجنوب السودان، وهو التصريح الذى أثار لغطًا شديدًا وردة فعل قوية وعنيفة من جانب حكومة جنوب السودان التى ردت على الرئيس البشير بقولها «إن ما قاله لا يوجد له أى أساس من الصحة، خاصة وإنها تأتى بالتزامن مع الجهود التى تبذلها كلتا الدولتين لإحلال السلام والاستقرار بالمنطقة».
ربما فات على الخرطوم أن مصر ليست من الدول التى تقبل التآمر على أحد، خاصة جيرانها، فالقاهرة لا تحبذ أبدًا هذه الطريقة فى إدارة علاقاتها الدولية، ولا يمكن أبدًا أن تلجأ لهذه الطريقة الملتوية، فالقيادة المصرية قادرة ولديها الشجاعة الكاملة أن تقول للسودان ملاحظاتها إذا وجدت، كما أنها لن تغضب إذا سمعت من الأشقاء السودانيين ملاحظاتهم على الأداء المصرى، وكل ذلك يتم فى إطار العلاقة الودية والتاريخية التى تجمع البلدين.
وربما فات الخرطوم أيضًا أن علاقة مصر بجنوب السودان ليست موجهة ضد أحد، ومن الطبيعى أن تقيم مصر علاقاتها مع من تشاء من الدول، كما هو من حق السودان أيضًا، فالدولتان ذاتا سيادة ومن حقهما أن تديرا علاقاتهما كيفما شاءتا شريطة عدم الإضرار بمصالح الآخرين، ومن هذا المنطلق تقيم مصر علاقاتها مع جنوب السودان وبقية الدول الأفريقية.
إذا تحدثنا عن جنوب السودان، فمصر منذ فترة وهى تعمل على مساعدته فى مشروعات التنمية وإقرار السلام، لذلك فقد دأبت على تقديم قوافل طبية وغذائية لجوبا، كما أرسلت أجهزة طبية خاصة بغسيل الكلى لمستشفى جوبا العسكرى، والذى يقدم خدماته للمدنيين والعسكريين، ولا يجب أن ننسى أن غالبية قيادات جنوب السودان تلقوا تعليمهم بالجامعات المصرية، ولهم علاقات طيبة مع المصريين، لكن هذه العلاقة وهذه المساعدات لا يمكن تحويلها إلى مادة للقيل والقال هنا وهناك، وتصويرها على أنها مساعدات عسكرية، ويكفى هنا أن أشير لتصريح الفريق بول مالونج أوين، رئيس هيئة الأركان للجيش الشعبى لتحرير جنوب السودان، الذى قال إن إسهامات مصر فى جنوب السودان تهدف إلى الخير والسلام ودعم الاستقرار وزيادة الروابط بين الشعبين فى جنوب السودان.
كلى أمل أن يعيد الأشقاء فى الخرطوم قراءة الموقف مرة أخرى، وأن يتراجعوا عن أفكارهم المغلوطة عن مصر، حتى تستمر سفينة السلام.