قال الشاعر الفرنسى الشهير «بول فاليرى»: «التاريخ أخطر محصول أنتجته كيمياء الفكر»، ونحن لابد لنا أن نتخذ من هذا الإنتاج الفكرى، وحصاد الأحداث، عبرة وعظة واستثمارها بشكل رائع للحاضر والمستقبل.
والتاريخ وعبر عصوره المختلفة له صرخات مدوية، كاشفة عن أحداث تكررت، ومنذرة بالتكرار، وبنفس التفاصيل، مع اختلاف الأبطال، أبرزها أن سقوط مصر دائمًا يبدأ بسقوط العراق ثم الزحف نحو سوريا.
ولن نعود إلى بداية التاريخ، لقلة المصادر إلى حد كبير، وعدم الاعتماد على مصدر أو اثنين فقط، لكن سنقفز إلى الفترات ذات الزخم بالمصادر المختلفة، التى تسرد الوقائع التاريخية المتعلقة بالمستعمرين الباحثين عن احتلال مصر.
الخطة تبدأ بإسقاط العراق، ثم سوريا، ثم الزحف نحو مصر، ورأينا ذلك فى الزحف التتارى «المغول»، الذى بدأ باحتلال بغداد عنوةً عام 65 هـجرية، وقتل المغول الخليفةَ العباسى رغم أنهم منحوه الأمان.
وبعد إسقاط العراق، بدأ الزحف نحو سوريا ودخلوا دمشق فى مارس 1260، وبدأت خطوات غزو مصر واحتلالها، وبدأ الجيش المصرى فى التحرك لمواجهة جيش التتار، بقيادة «قطز» عند «عين جالوت»، ولقن الجيش المصرى نظيره الجيش «التتارى»، بقيادة «كتبغا» درسًا قويًا فى فنون المعارك الحربية، وانتصر الجيش المصرى انتصارا ساحقا، وأوقف الزحف التتارى الذى أحرق بغداد وأسقط دمشق.
ولم تتوقف الأطماع الاستعمارية لاحتلال مصر والأوطان العربية، عند حد التتار، وإنما بدأت الحملات الصليبية للاستيلاء على بيت المقدس وهزيمة كل الجيوش العربية والإسلامية المدافعة عنها، وعلى رأسها الجيش المصرى.
وشكلت أوروبا 9 حملات صليبية، متتالية، كلما فشلت حملة، أعقبتها بالثانية، وبدأت الحملة الأولى فى أغسطس عام 1096 ميلادية، التى جاءت بناء على مطالب الفقراء وجمهور قليل من الفرسان، حيث كان الوعد الكنسى لهم بالخلاص والفوز بالغنائم وتحرير القدس، وكان قوام الحملة 25 ألف رجل، وتمكنت من احتلال القدس عام 1099 بالإضافة إلى عدّة مناطق حكم صليبية أخرى، فى بلاد «الشام».
ولعبت الخلافات بين حكام المسلمين المحليين دورا كبيرا فى الهزيمة التى تعرضوا لها، كالخلافات بين الفاطميين بالقاهرة، والسلاجقة الأتراك، ورغم ذلك حاولت مصر طرد الصليبيين، وقاد الوزير الأفضل الفاطمى، الجيش المصرى لطرد الصليبيين، ووصل إلى «عسقلان» ولكنه تراجع، عندما علم بقوة الجحافل الصليبية، التى استكملت السيطرة على بعض البلاد الشامية والفلسطينية بعدها.
وجاءت الحملة الثانية، عام 1147، التى دعا لها «برنارد دى كليرفو»، وقادها لويس السابع ملك فرنسا وكونراد الثالث هوهنشتاوفن إمبراطور ألمانيا، وهى أول حملة يشترك فيها الملوك، وفى 24 يونيو 1147 تلاقى لويس السابع وكونراد الثالث ووصية العرش ميليساندا مع اعيان القدس، وقرروا محاصرة «دمشق» الحصينة، لأن فتحها كان يبشر بغنائم وفيرة.
دام الحصار خمسة أيام لكنه فشل، وتخلى ملك القدس بودوان وبارون طبرية عن مطلبهما بعد تدهور موقعهما العسكرى.
وكانت قد تجمعت قوات الصليبيين فى القسطنطينية، وبعد أن تم إعدادها عبرت البسفور إلى الشام، ودارت بينهم وبين السلاجقة معركة عند «ضورليوم»، وهزمت فيها السلاجقة، ثم استولى الصليبيون على أنطاكية فى شمال الشام، وأسسوا بها أول إمارة لهم، ثم استولوا على الرها فى إقليم الجزيرة الشمالى، وأسسوا إمارتهم الثانية، واتجهوا إلى مدينة القدس، ودخلوا بيت المقدس، وارتكبوا فيها مذبحة قضوا على سكانها جميعًا رجالا ونساءً وأطفالا وكهولا، واستباحوا مدينة القدس أسبوعًا يقتلون ويدمرون حتى قتلوا فى ساحة الأقصى فقط سبعين ألفًا من المسلمين.
بجانب ارتكاب «ريموند» القائد الصليبى، الذى احتل «مَعَرَّة النعمان»، وقتل بها قرابة مائة ألف،ٍ وأشعل النار فيها، ثم أقاموا دولتهم الكبرى المعروفة باسم مملكة القدس، وبقيت محاولات الاستيلاء على دمشق وحلب مستعرة، ولمحاصرتها أمرا مستمرا لم يتوقف.
هذه المجازر أزعجت العالم الإسلامى، فقرر الناصر صلاح الدين الأيوبى تشكيل جيش قوى قوامه من الجيش المصرى، وتوجه لتحرير القدس وفك الحصار عن دمشق وحلب، وتمكن فى الرابع من يوليو عام 1187 من الانتصار على الصليبيين فى موقعة حطين، وحرر القدس فى 2 أكتوبر 1187، إلا أن الحملات الصليبية توالت حتى وصل عددها 9 حملات.
وفى العصر الحديث، زرعوا إسرائيل فى فلسطين لتأسيس إسرائيل الكبرى من «النيل للفرات»، وخاضت معارك مع الجيش المصرى والسورى، واستولت على سيناء والجولان، والجيش المصرى حرر سيناء، وبقيت الجولان فى حوزة تل أبيب، ثم وجهت الولايات المتحدة الأمريكية، ضربة للعراق فى 2003، دمرتها ولم تقم للعراق قائمة حتى الآن، ثم زرعوا داعش فى العراق، التى تسللت لسوريا، ومن سوريا لسيناء، بهدف إسقاط دمشق أيضًا ثم القاهرة.
إذن الحقائق التاريخية تؤكد أن سقوط القاهرة يبدأ من سقوط بغداد مرورا بسقوط دمشق، الذين يهللون بسقوط سوريا، لا يعلمون أنها الطريق لسقوط القاهرة.
ولك الله يا مصر من الخونة والمتآمرين فى الداخل قبل الخارج...!!!