هل كانت أمريكا تحلم بأن تتسيد على العالم بعد انهيار السوفيت، حيث يرى الباحث يونان سعد أنه يجب الاعتراف بأن أمريكا تتعرض لحروب كثيرة، وهو ما يراه إيمونيل تود فى الدراسة التى نشرنا جزءا منها، أمس، حيث يرى «تود» أن الولايات المتحدة تلجأ إلى بعض التكتيكات الذكية للإبقاء على نفسها قوة رئيسية، من خلال ممارسة بعض الأدوار المزيفة، ومن ثم إقناع العالم بضرورة الإبقاء عليها فى موضع الصدارة من أجل ممارسة هذه الأدوار.
ويقول: إنها تظهر أحياناً فى مظهر الراعى الأول للديمقراطية فى العالم، فتشن الحروب على ديكتاتوريات ضعيفة للتأكيد على هذه الصورة، وتهدد بالحرب دولاً قليلة التأثير، بوصفها محور الشر فى العالم، ولكنها من ناحية ثانية تتحالف مع أنظمة سلطوية، وأخيراً عدّت نفسها الراعى الأول لمحاربة الإرهاب، وبرأى تود أن «لجوء أمريكا إلى مثل هذه الأساليب لا يثبت سوى عجزها عن تقديم ما كانت تقدمه فى السابق للعالم، فأمريكا لم يعد لديها بالفعل ما تقدمه سوى إثارة الحروب والقلاقل».
مقابل الكتابات الكثيرة التى تتحدث عن أفول القوة الأمريكية، هناك كتابات كثيرة تتحدث عن استمرار أمريكا فى لعب دور القوة الأبرز فى العالم، يلخص أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة، جهاد عودة، هذه الكتابات بتأكيده أن أمريكا بالفعل لن تبقى القوة الوحيدة المتحكمة بالسياسات الدولية، ولكنها ستحتفظ فى المدى المنظور بمقام الصدارة، ويرى أن طبيعة القوة الأمريكية معقدة ولها عدة أبعاد، فهى مزيج من القوى الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية.
والحقيقة أن ما شاهدته فى رحلتى الأخيره لواشنطن، يجعلنى على يقين أنه لا يمكن الحديث عن أفول أمريكا من منطلق النظريات التى تتحدث عن انهيار الإمبراطوريات القديمة، فالإمبراطورية الرومانية انهارت حينما انقضّ عليها نظام أكثر تطوراً منها على المستوى الاقتصادى، وهو الدولة العثمانية، وكذلك انهارت الأخيرة إثر هجوم إمبراطوريات أكثر حداثة حلت بثورتها الصناعية محل النظام القديم القائم على الإقطاع الزراعى. أما فى حالة الولايات المتحدة، فلم يظهر إلى الوجود نظام اقتصادى أقوى من هذا الذى تنتهجه كذلك، فمن مصلحة الدول الأوروبية الكبرى الإبقاء على دور الولايات المتحدة كذراع قوى يمهد الطريق أمام الشركات الضخمة لاجتياح دول العالم الثالث، وشبكة المصالح، هذه ربما تحول دون الأفول المتوقع لأمريكا فى المستقبل القريب.
والبعض ينقل عن الرئيس الأمريكى، باراك أوباما السابق، محاضرة ألقاها فى جامعة كوينزلاند فى أستراليا، عن موقعنا الحالى فى التاريخ، قائلًا: «كثيرًا ما أقول للشباب فى أمريكا «إنه وحتى مع تحديات اليوم، هذا هو أفضل وقت فى التاريخ لنكون فيه على قيد الحياة»، ومن ثم تلى خطاب أوباما ذاك خطاب آخر من قبل وزير الدفاع المقال حديثًا، تشاك هيغل، شرح فيه الأخير كيف سيحتاج الجيش الأمريكى إصلاح نفسه للحفاظ على هذا المكان فى التاريخ، وبعد أسابيع من كلا الخطابين، كانت هذه الكلمات قد نسيت من قبل الكثيرين، ولكن ليس من قبل كوريا الشمالية، وقتها اعتقدنا جميعا أن هذا الخطاب «صرخة الفقراء الذين يواجهون الخراب»، وأنه أيضًا «اعتراف بالواقع المظلم فى الولايات المتحدة، وانعكاس لعدم الارتياح والرعب الذى وصل إلى أقصى حدوده».
وكما وصفتها جميع التحليلات أيضا، تذكر هذه الخطب «بالإمبراطورية الرومانية القديمة التى دفنت فى التاريخ بعد مواجهة الخراب الناتج عن الطمع بتحقيق الازدهار من خلال العدوان والحروب»، وأضافت الوكالة: «إن المصير البائس للولايات المتحدة، والمماثل لانهيار الإمبراطورية الرومانية، هو نتيجة لتاريخها من العدوان والممارسات التعسفية»، فقط فى وقت سابق من هذا العام، وفى ضوء تقرير للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان فى كوريا الشمالية، أصدرت البلاد تقريرها الخاص حول حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة، الذى خلص إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة «جحيم لا يطاق»، لكن ورغم ذلك، تبقى المقارنة بين الولايات المتحدة والإمبراطورية الرومانية غير عادية قليلًا، حيث إن الدعاية الكورية الشمالية نادرًا ما تخرج من إطار الأساطير الخاصة بها للتذكير بتاريخ دول أخرى، ناهيك عن تلك الإمبراطوريات التى انتهت منذ آلاف السنين، وقال المنشقون عن كوريا الشمالية: «إن هناك مادة تعليمية تسمى «التاريخ العام للعالم» فى المدارس، ولكنها تركز فقط على أحداث القرن العشرين».
ومقارنة الولايات المتحدة بالإمبراطورية الرومانية ليست أمرًا جديدًا، حيث إنها كانت موجودة منذ عشرات السنين، إن لم يكن منذ وقت أطول بكثير، وقد كتب كولين ميرفى فى كتابه الصادر عام 2008 بعنوان «هل نحن روما؟»، أن عيون الأمريكيين وضعت على روما القديمة منذ ما قبل الثورة. وللحديث بقية فإلى الغد إن شاء الله تعالى.