فى سبتمبر الماضى طلب المرشح الجمهورى للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال وجوده فى نيويورك للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالفعل أستقبل الرئيس السيسى فى مقر إقامته، وبعدها خرج المرشح الجمهورى ووصف اجتماعه مع الرئيس بـ«المثمر جداً»، وزاد فى مدح رئيس مصر بقوله «أنه رجل رائع.. اجتمعنا لوقت طويل. كانت توجد كيمياء جيدة. أنت تعرف حين تكون لك كيمياء جيدة مع الناس، كان يوجد شعور جيد بيننا».
حينها ظن البعض أن كلمات ترامب لا تخرج عن كونها مجاملة للرئيس السيسى الذى وافق على أن يلتقيه فى نيويورك، لكن مرت الأيام ودخل ترامب البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وتوالت الاتصالات الهاتفية بينه وبين الرئيس السيسى، ووصلنا إلى مرحلة تاريخية فى مسار العلاقات المصرية الأمريكية، وقت أن لبى الرئيس السيسى دعوة ترامب بزيارة واشنطن، ففى الأول من إبريل الجارى بدأ الرئيس السيسى زيارة الأيام الستة لواشنطن، التى تخللتها لقاءات مع كل عناصر ومكونات المجتمع الأمريكى، الرئيس وبقية أعضاء إدارته، وأعضاء الكونجرس، والشركات الأمريكية المهمة، والعناصر النافذة فى المجتمع الأمريكى، والإعلام الأمريكى، فضلاً عن زيارته المهمة لمقر وزارة الدفاع «البنتاجون»، ولقائه مع العاهل الأردنى الملك عبدالله.
فى الثالث من إبريل كانت القمة المصرية الأمريكية فى البيت الأبيض، والتى أستهلها ترامب بكلمات واضحة ولا تحتمل اللبس، وتؤكد أيضاً أن ما قاله ترامب فى سبتمبر الماضى لم يكن من قبيل المجاملة كما قيل، لكنها استراتيجية سيسير عليها رئيس الولايات المتحدة مستقبلاً، وإلا ما ظهر من داخل البيت الأبيض ليعلن على الملأ فى وجود الرئيس السيسى أن مصر لها مكانة استراتيجية فى الخريطة، بوضعها الجغرافى فى أفريقيا والربط مع آسيا وأوروبا كمحور لتصدير السلع، وإن التعاون العسكرى مع مصر سيكون أكبر من أى وقت مضى، وليقول أيضاً «أريد فقط أن أعلم الجميع، فى حال كان هناك أى شك، أننا خلف الرئيس السيسى، فلقد قام بعمل رائع خلال وضع صعب للغاية، نحن وراء مصر وشعب مصر».
يمكن القول إن إستراتيجية بين الدولتين بدأت بكيمياء كما وصفها ترامب نفسه، ولم يكن الرئيس السيسى بعيداً عن هذه الكيمياء، فخلال الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية كانت الانظار المصرية كلها موجهه ناحية ترامب، وللمرة الأولى يعلن الرئيس ذلك بعد ستة أشهر من الانتخابات ونتيجتها، موجهاً حديثه لترامب خلال لقائهما بالبيت الأبيض «منذ التقيت بك فى سبتمبر الماضى ولقد راهنت عليك، وأعجابى الشديد بشخصية الرئيس المتفردة خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.. هذا الفكر الشيطانى الخبيث الذى يقتل الأبرياء ويدمر الشعوب ويروع الآمنين.. بكل قوة وبكل وضوح ستجدنى أنا ومصر بجانبك فى تنفيذ هذه الإستراتيجية لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه».
بالتأكيد فإن التفاهم بين الرئيسين أسهم فى عبور مطبات كثيرة سبقت أن وقفت حائلاً أمام تطوير العلاقات بين القاهرة وواشنطن، لذلك لم يكن مستغرباً لنا ونحن فى واشنطن أن نسمع من محللين أمريكيين قولهم إن العلاقات المصرية الأمريكية ستبدو أكثر إشراقا، خاصة مع وجود قناعة لدى ترامب وبقية أعضاء إدارته بأهمية وجود مصر قوية فى هذا الإقليم المضطرب، وقد تابعنا تصريحات الرئيس الأمريكى خلال حملته الانتخابية «أنا أهتم بأمريكا أولا ولكن علينا أن نعيد النظر فيمن هم حلفاؤنا»، ومصر تعد من أكثر الدول التى ينظر لها الرئيس الأمريكى أنها القادرة على تنفيذ إستراتيجية لمحاربة الإرهاب فى المنطقة، فالولايات المتحدة بمفردها مهما كانت القوة التى تملكها لا تستطيع أن تحارب داعش أو خلق الاستقرار فى الشرق الأوسط بمفردها، لذلك كان الرهان على مصر.
نظريا وعملياً تمثل مصر شريكًا مهمًا للولايات المتحدة فى المنطقة، من عدة محاور يمكن استنباطها من تصريحات المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، فهم دائمو التأكيد على أهمية التعاون مع مصر فى مسألة أمن واستقرار المنطقة ومحاربة الإرهاب والتطرف، وبرز ذلك من تصريحات ترامب حتى خلال حملته الانتخابية، فخلال مشاركته فى حشد انتخابى بولاية أوهايو، أغسطس الماضى، قال إنه سيتعاون مع الرئيس «السيسى» وملك الأردن عبدالله الثانى، من أجل مكافحة الإرهاب، وقال إن الاثنين «لديهما سياسة واضحة رافضة لثقافة الموت التى يتبناها تنظيم داعش»، وفى أول اتصال هاتفى بين الرئيسين السيسى وترامب بعد تنصيبه فى 20 يناير الماضى، أثار الرئيس الأمريكى قضية مكافحة الإرهاب، فهو دائما يرى مصر ركيزة أساسية فى مواجهة خطر الإرهاب.
بالتأكيد فإن ترامب على عكس سلفه باراك أوباما لم يتجاهل مصر، بل سارع إلى التعاون معها، فهو قرأ جيداً الإمكانيات والقدرات المصرية وأحسن التعامل معها، وكذلك فطن سريعاً إلى أن رئيس مصر لديه القدرة على العمل فيما يخدم المصالح المصرية، ويحقق الأمن والاستقرار للمنطقة، يبدو أن ترامب عاد إلى تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية واستفاد منه جيداً، خاصة تاريخ التعاون بين البلدين فى الماضى فى مجال مكافحة الإرهاب، ويكفى هنا أن الإشارة إلى تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكى، فى أغسطس الماضى، قال فيه إن موقف الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط تعزز بفعل علاقتها الوثيقة مع قوى إقيليمة بارزة، فطالما شكلت مصر مركز الثقل فى العالم العربى، كما كشف التقرير عن أن مصر غالبًا ساعدت الحكومة الأمريكية على اختراق الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم «القاعدة»، وتنظيم «داعش»، من خلال الاعتماد على عملاء مخابرات مدربين تدريبًا جيدًا، وانتشار عناصر مصرية فى الكثير من الجماعات المتطرفة الناشطة فى الشرق الأوسط.
كما أكد خبراء أمريكيون بارزون أهمية مصر، والدور البارز الذى يمكن أن تلعبه فى استراتيجية إدارة «ترامب» فى مكافحة الإرهاب، وهو ما أشار إليه تقرير آخر أصدره مركز التقدم الأمريكى الشهر الماضى عن العلاقات المصرية الأمريكية فى ظل إدارة «ترامب»، قال المركز إن التعاون الأمنى بين البلدين يجب أن يركز على أربعة أساسات، أو مناطق الأولوية كما أسماها، وهى محاربة الإرهاب، وسيناء، وأمن الحدود، والأمن البحرى.