رفض مجلس شورى النواب قرار الحكومة بفض أعماله فى جلسة تاريخية يوم 27 مارس 1879، وحسبما يؤكد الدكتور لويس عوض فى كتابه «تاريخ الفكر المصرى الحديث من عصر إسماعيل إلى ثورة 1919» «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»، فإن نواب المجلس صمموا على «عدم الانفضاض قبل النظر فى المسائل المالية والأشغال الداخلية التى وعدت خطبة العرش «الخديو إسماعيل» بأن يتذاكرها الوزراء مع النواب» «راجع ذات يوم 27 مارس».
كان عمر الحكومة برئاسة الأمير توفيق ابن الخديو إسماعيل 17 يوما فقط، حيث تم تشكيلها يوم 10 مارس 1879، وفيها وزيران أوربيان هما الإنجليزى «ويلسن» وزيرا للمالية، والفرنسى دى بلنيير للأشغال، ويؤكد «عبدالرحمن الرافعى» فى كتابه «عصر إسماعيل» «دار المعارف - القاهرة»: «تبين من مسلك وزارة توفيق باشا أن الوزيرين الأوربيين هما صاحب الكلمة النافذة فيها، وفى شؤون الحكومة جمعاء، واشتد التدخل الأجنبى، وفقدت الوزارة الصبغة القومية، ودل موقفها تجاه مجلس شورى النواب أنها تريد التخلص منه»، ويقودنا كلام «الرافعى» إلى أن قرار الحكومة بإنهاء أعمال «شورى النواب» كان أحد نتائج هذا التدخل الأجنبى، مما فجر غضب النواب ودخلوا فى معركة، يعتبرها محمد حماد فى كتابه «قصة الدستور المصرى» «مكتبة جزيرة الورد- القاهرة»: «تاريخ جديد فى الحياة النيابية المصرية».
لم يقتصر موقف النواب على حديثهم تحت القبة، وحسب «حماد»: «انعقد برلمان شعبى موسع فى أضخم اجتماع وطنى عرفته مصر حتى تاريخه، وكان يوم 2 إبريل «مثل هذا اليوم» 1879 هو موعد التئام هذا الالتفاف الشعبى الكبير حول مطلب الحركة الوطنية المصرية، وفى منزل السيد على البكرى نقيب الأشراف حضر أعضاء شورى النواب، والأعيان، وكبار الموظفين وقادة الجيش والضباط والتجار والعلماء والرؤساء الروحانيين من بطريرك الأقباط وحاخام اليهود وشيخ الأزهر، وانتقل الاجتماع إلى منزل إسماعيل راغب باشا رئيس مجلس النواب، حتى توصل الجميع إلى الاتفاق على وثيقة سميت باللائحة الوطنية، وتقرر رفعها إلى الخديو لاعتمادها ميثاقا برنامجا وطنيا لمصر».
يؤكد «لويس عوض» أن الذين وضعوا اللائحة سبعة من النواب من الأحرار بالاشتراك مع إسماعيل باشا راغب الذى عرف بميوله المعادية للملكية المستبدة، وطالبت بتأليف وزارة وطنية بحتة لا تضم وزراء أوربيين برئاسة محمد شريف باشا أكبر داعية فى عصره للحكم الدستورى، ورفض مشروع «ويلسون» لتسوية ديون مصر على أساس إشهار إفلاسها، واقتراح مشروع تسوية بديل، وقالت اللائحة طبقا لـ«الرافعى»: «رأينا وجوبا أن نقدم مشروعا حافظا لحقوق الأمة داخلا وخارجا، مع احترام الشرائع المقدسة والقوانين المؤسسة، وهذا المشروع ما صار إعماله وتحريره إلا بعد حصوله على اليقين لدينا بأن إيرادات بر مصر هى كافية لسداد الديون المطلوبة من الحكومة حسبما هو موضح بالمشروع المذكور، فلأجل ذلك نحن عن أنفسنا، ونيابة عن أبناء وطننا صممنا جزما على بذل كل مجهودنا فى تأدية ديون الحكومة، وبذل كل ما فى وسعنا وطاقتنا فى إجراء ذلك».
وطالبت «اللائحة» بالإصلاح الدستورى على أساس مبدأ المسؤولية الوزارية، وتعديل النظام البرلمانى وفقا لنظم برلمانات أوروبا، وحسب «عوض»، بلغ عدد الموقعين على هذه اللائحة 327 شخصا يمثلون كل قيادات الأمة، منهم 60 عضوا من أعضاء «شورى النواب»، و60 من علماء الدين والرؤساء الروحيين فى مقدمتهم شيخ الإسلام وبطريرك الأقباط، وحاخام اليهود، و 42 من الأعيان وكبار التجار، و72 من الموظفين العاملين والمتقاعدين و93 من الضباط.
وبالرغم من أن هذا التحرك كان شعبيا ويضع أمامه أهدافا سياسية إلا أن القنصل الإنجليزى فى القاهرة السير فرنك لاسل أضفى عليها طابعا دينيا ففى رسالة إلى حكومته ويأتى بها «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل» «دار المعارف - القاهرة»: «يوجد الآن هنا حركة أفكار عنيفة واسعة، والظاهر أن الشيخ البكرى نقيب الأشراف وشيخ مشايخ الطرق، يدعو فى بيته الوجهاء والعلماء إلى اجتماعات متوالية، غرضها إثارة كره دينى ضد الوزيرين الأوروبيين، وأن الخطباء فى المساجد جاهروا باعتبار رياض باشا صديقا للمسيحيين وعاملا على الإضرار بالمسلمين، وهو ما قد يدعو إلى استقالته من منصبه، لأن حياته باتت معرضة للخطر، وأشار عليه رئيس البوليس مررا، بضرورة التوقى».
تم رفع «اللائحة» إلى الخديو إسماعيل يوم 5 إبريل فوافق عليها، ووزعها مترجمة إلى الفرنسية على قناصل الدول وعليها توقيعه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة