لا أجد وصفًا أدقَّ للأزمة التى تعيشها الصحافة الورقية لا فى مصر فقط بل فى العالم، "من أنها تعانى ضيقًا قاتلًا فى التنفس"، لذا تحتاج هواءً جديدًا منعشًا يتسرب إلى رئتيها.
ومع التسليم أن الصحافة عمومًا، المطبوعة والإلكترونية، تعانى أشد المعاناة، فالأخيرة هى الأخرى، بعدما حَصَرت سابقًا سوق الصحافة الورقية، وسرقت منها متعة "الانفراد الخبرى"، تصارع مع أزيز سرعة وانتشار السوشيال ميديا، ومواقع التواصل الاجتماعى بفوضاها الهائلة، فما بالك بالصحف المطبوعة التى لا يمل المتابعون من القول إن "زمانها ولَّى وفات".
مع كل هذا أرى أن "اليوم السابع" فى نستخته "اليومية" المطورة، والتى انطلقت اليوم، فتحت نوافذ هائلة وأمدت "الصحافة الورقية" بهواء طالما احتاجته رئتاها مؤخرًا.
لا أقول ذلك بصفتى صحفيا بـ"اليوم السابع" اليومى، وإنما بصفتى قارئًا عاديًا متابعًا للصحافة المصرية وبعض الصحافة العربية اليومية، وأرى كم تعانى من انحسار، يتحمل وزر كثير منه المسئولون عن هذه الصحف، لأنهم لم يعوا التحولات الكبرى والتغيرات التى فرضتها سيادة وانتشار "التكنولوجيا الحديثة" ومعدات الاتصال مع توسع ثورة الاتصالات فى مصر، حتى بين الأجيال التى تربت على القراءة الورقية.
اليوم أكثر من غدٍ وأول غدٍ وأول أول غدٍ، تنتشر مواقع التواصل مع التوسع فى استخدام الإنترنت، حتى بات مستحيلا أن يكون أغلب أفراد البيت الواحد غير مستخدمين له.
ببساطة بات "العالم بأحداثه" وباتت "المعلومات" رهن إشارة واحدة من المصريين، (إن كنا هنا نتحدث عن سوق الصحافة الورقية فى مصر فقط) وبالتالى حتى الموظفين الذين كانوا يشترون الصحف لمجرد التسلية وإزجاء الوقت وجدوا فى هواتفهم ما يسليهم ويوفر لهم ماليًا، حيث لن يكون مضطرًا لشراء الصحف يوميا إذا وفَّر باقة "إنترنت" يمكن أن ينعم بها طوال الشهر، وتنعم بها العائلة ككل.
أضف إلى هذا ارتفاع أسعار الورق وتضاعف تكلفة الطباعة وتغير ثقافة "الإعلان" بشكل كبير من الورقى إلى الديجيتال، إلى جانب ضعف القوة الشرائية العامة فى المجتمع المصرى، لتعرف أى أزمة وأى "حارة سد" وصلت إليها الصحافة المطبوعة.
ما سبق عرضه، استلزم تفكيرًا جديدًا ووعيًا متطورًا ودراسة لاحتياجات القارئ، ليعود لشراء الصحف مرة أخرى، ولا يجد الوجبة الخبرية "البَيْتَة" التى باتت تقدمها الصحف المصرية فى المعظم للأسف، وهو ما استوجب أن يتخذ رجال المهنة خطوات أوسع وأبعد بتطوير الخبر المجرد والبحث عما وراءه، وتقديم تحليل وتعميق الرؤية ووضع كل الخيارات والرؤى المختلفة حول الحدث.
هذا ما فعلته "اليوم السابع" فى تطويرها الجديد بإحداث تحول هائل فى شكل الجريدة، وتحويلها من مجرد "صحيفة" إلى "صحيفة مجلة" لا تعنى بالخبر فى المقام الأول وإنما تقدم تحليلات له ورصدًا عميقًا واستطلاعًا ومتابعة ورصدًا تاريخيًا، فعلت ذلك فى عدد الأحد فلم تكتفِ بالتغطية الخبرية لزيارة رئيس الجمهورية إلى واشنطن، وإنما قدمت متابعة شاملة واستقصاء تاريخيًا واستشرافًا للعلاقات بين مصر وأمريكا فى 3 صفحات.
قدمت "اليوم السابع" مادة كافية ليحتفظ القارئ بالعدد فى أرشيفه المعرفى، يعود له متى شاء.. قدمت رؤى متجاورة وتحليلا أعمق استلزم عملًا متأنيًا، ولم تكتفِ بمجرد تقارير مطبوخة على عجل ومأخوذة من مواقع الإنترنت ووكيبيديا.
أدركت "اليوم السابع" المعنى الأدق لكلمتى "المتعة" و"التسلية" باعتبارهما الدم الذى يجرى فى جسد الصحف الورقية، فإذا لم تحقق الصحيفة المتعة والتسلية فلا جدوى منها، مع التشديد على أن "التسلية" ليس الكلمة المرادفة لـ"الهزل والتفاهة"، وإنما تقتضى المزج السحرى بين تحقيق الجدية والمتعة فى آن واحد.
عملت "اليوم السابع" على تحقيق ذلك عبر اختيار مواد شائقة، من بينها حواران مع الفنانة نيللى كريم ونجم الأهلى وليد سليمان، كما استمرت المادة التاريخية "الممتعة" اليومية التى يقدمها سعيد الشحات فى زاوية "ذات يوم" إلى جانب مساحات الأبراج و"السودكو".
ولم يكن لكل ذلك أن يتحقق، إلا بوجود هذه الرؤية الإخراجية البارعة والمتفردة والشكل الجديد "الجذاب" للماكيت والصفحات "الملونة بالكامل" بألوان تستخدم بهذا الكم والكيف لأول مرة فى الصحافة المصرية، وهو ما جعل القارئ على موعد سعيد مع المتعة البصرية.
فإيمانًا من "اليوم السابع" بأن الشكل والرؤية الإخراجية إبداع موازٍ للكتابة الصحفية، استعانت بأكبر مبدعى الرسم الصحفى فى مصر الدكتور أحمد محمود، وسيلمس جهده بالطبع كل من طالع الجريدة فى عددها الأول المطور.
ليس هذا وفقط، هناك الكثير من أسباب البهجة أدخلتها على نفسى "اليوم السابع" المطبوع فى عدد أمس، وأعطتنى الثقة لأقول إن هواءً جديدًا تنفسته الصحافة المصرية، وإن مزيدًا من الهواء ستكون الصحف الورقية على موعد معه فى القريب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة