يلف الحزام الناسف حول جسده ويستعد لتفجير نفسه، يتربص لإنجاز مهمته القذرة التى يظنها مقدسة وينظر حوله حتى يقتل أكبر عدد من الضحايا ، لا يهتم إن كان بينهم طفل أو رضيع أو شيخ أو امرأة ، ضباط أم مدنيون، مسلمون أم مسيحيون، كل ما يهمه أن يسفك دماء أكبر عدد ، وكأن هذه الدماء ستمهد طريقه إلى الجنة المزعومة كما أوهمه من زرعوا هذه الأفكار الشيطانية فى رأسه قبل أن يزرعوا قنابلهم حول جسده.
تحين اللحظة الحاسمة ويضغط على زر التفجير، فتتناثر الأشلاء ويتساقط الضحايا ويصرخ الأطفال والكبار ، يعم الرعب والفزع ، وتسيل أنهار الدموع والدماء.
تتلقى الأسر أنباء استشهاد الأبناء والأباء والأمهات فتنفطر القلوب، بينما يبقى عزاء واحد يخفف الجراح ويصبر الثكلى والمكلومين والأيتام ، فمن سقط من هؤلاء الضحايا شهيد ذهب لصلاة فى بيت من بيوت الله أو جندى يحرس فى سبيل الله والوطن ،أو مغدور ساقه القدر ليكون بين ضحايا لا يعرفهم القاتل ولا يعرفونه.
وبين هذه الجثث تبقى أشلاء أخرى لقاتل مصاص دماء ظن نفسه شهيدا ، وذكر اسم الله بينما يرتكب أكبر الكبائر ، شخص ساء عمله فى الدنيا والآخرة وهو يظن أنه يحسن صنعا.
وبينما الكل يهتم بجمع أشلاء ضحاياه وإلقاء النظرة الأخيرة على أعز الأحباب ، تتلقى أسرة أخرى صدمة لم تتوقعها ، ينتشر اسم الانتحارى فى وسائل الإعلام بينما تنهار أسرته وتتوارى عن الأعين ويتمنى أقرب المقربين إليه أن تنشق الأرض وتبتلعهم ، أو أن يكون هناك خطأ وألا يكون ابنهم ارتكب هذه الجريمة.
إحساس لا يوصف بالصدمة والعار تعجز معه أسرة الإرهابى عن مواجهة الناس ، تتمنى الأم لو كان هذا الابن الذى جلب العار لأسرته قد مات يوم مولده ، وتعيش الزوجة حالة من الذهول لا تتخيل أن زوجها الذى عاشرته وأنجبت منه قاتل وسفاك دماء ، وأن عاره سيلحق بأبنائه وأحفاده وأسرته مدى الحياة ولن يمحوه جهل أسرته بما كان يدبره.
لا تستطيع الأسرة دفن جثة الإرهابى بعدما ينفر الجميع منه ويرفض جيرانه وأهله أن يدفن فى مدافنهم، وهو ما حدث مع الإرهابى "غازى كحلة " الذى رفض أهالى قرية كفر سليمان البحرى بمحافظة دمياط دفن جثته بمقابر قريتهم ودفنته أسرته فى مقابر الصدقة بإحدى القرى المجاورة ، بعدما لقى الإرهابى مصرعه فى اشتباكات مع قوات الأمن أثناء ضبطه وهو يجهز عدد من القنابل ، فأطلق النار على القوات مما أسفر عن إصابة ضابط وفردى أمن حتى تمت تصفيته، ونشر أهالى القرية بيانات يتبرأون فيها من المتهم ومن أسرته.
فأى شعور بالخزى تشعر به أسرة لا تستطيع دفن ابنها ولا تملك رفاهية الحزن عليه أو أن تتلقى العزاء فيه بعدما تسبب فى أن يتبرأ منها الجميع؟
تجسد نفس الإحساس بالعار مع شقيق المتهم محمود حسن مبارك مفجر كنيسة مارمرقس بالإسكندرية وزوجته حينما استضافتهما بعض القنوات الفضائية .
رفض شقيق المتهم أن يظهر وجهه فى لقائه مع الإعلامى عمرو أديب وانهار باكيا محاولا الاختباء من الكاميرات، لم يصدق أن شقيقه الذى تربى معه قام بهذا العمل الخسيس.
تضاربت مشاعر شقيق المتهم الذى لا يعرف هل يحزن على شقيقه أم يلعنه بسبب ما ألحقه بعائلته من عار جعل أبناء قبائل الأشراف وأهالى محافظة قنا يتبرأون منه ومن أسرته ، " منك لله يامحمود إحنا فى مصيبة، ذنبى إنه أخويا.. إحنا ناس محترمين لكن العيلة بتدمر بسبب عملته..أخويا عمل حاجة ماترضيش ربنا، أنا ماعرفتش أربيه " ..بهذه الكلمات لخص شقيق المتهم حال الأسرة بعد جريمة شقيقه.
نفس الانكسار بدا على زوجة المتهم التى استضافها الإعلامى أسامة كمال وهى تتحدث عن زوجها الذى لم تعرف حقيقته إلا بعد وفاته، إحساس بالحسرة والخوف لا يمكن وصفه حين سألها المذيع ماذا ستقول لبناتها الثلاثة وأكبرهن فى الصف الأول الابتدائى عن والدهن، وكيف سيواجهن الجيران والزملاء و كيف سيتعاملن مع الناس بعد جريمة والدهن، لأول مرة تجد الزوجة المنتقبة التى أكدت أنها لا تخرج حتى لمقابلة الرجال من عائلتها مستدعاة للاستجواب فى الأجهزة الأمنية ، ومضطرة للحديث فى وسائل الإعلام.
" مخى واقف ومش عارفة أفكر ..الله يسامحك على اللى عملته فينا" ..قالت الزوجة هذه الكلمات و انهارت فى البكاء ، وهى لا تعرف كيف ستواجه المستقبل مع بناتها، وقد أصبح الاقتراب منهن شبهة والحديث معهن مدعاة للاشتباه ،والتعاطف معهن أو مساعدتهن جريمة، باعهم والدهم أقرب الناس ولم يضعهن فى اعتباره وهو يخطط وينفذ جريمته وعذب أهله مدى الحياة.
أصبح مجرد استضافة أحد أفراد أسرة الإرهابى والتحدث معهم تهمة ، لمن يرون أن الحديث معهم يثير التعاطف والشفقة، أغلق الإرهابى بفعلته كل أبواب الرحمة أمام أطفاله وأسرته ، جعلهم منبوذين ومكروهين بلا ذنب أو جريمة ارتكبوها سوى أنهم أبناء هذا القاتل، وإن كان البعض يتعاطف مع أسر القتلة والمجرمين إلا أن الكثيرين يرفضون أن ينال أسر الإرهابيين الذين يفجرون الوطن ويسعون لهدمه أى تعاطف ، لتصبح أسرة المتهم وأبنائه أول ضحاياه ولكنهم ضحايا ممنوع التعاطف معهم.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
ضحايا
ضحايا ولكنهم يجلبون النحس والجهل ودماء الابرياء