يعانى الأسرى الفلسطينيون فى السجون الإسرائيلية، من التعذيب والإهمال، والمعاملة المهينة غير الإنسانية، ومن الصمت العربى المتواطئ مع إسرائيل.
لم تعد عاصمة عربية تتحدث عنهم بالرغم من أبوابها المفتوحة سرًا وعلنًا لقادة إسرائيل، ولم تعد القوى الشعبية العربية المهتمة بالقضية الفلسطينية تضع معاناتهم على أجندتها بجدية، نعم هم ضحية تحولات دولية وإقليمية ومحلية أثرت بالسلب كثيرًا على القضية الفلسطينية، وجعلتها كما لو كانت مجرد خلاف بين جارين، لكن إذا كانت الحالة العربية عاجزة عن تحرير الأرض والاستسلام على هذا النحو المهين لإسرائيل، فإن مصيبتها الإضافية نجدها فى عجزها عن مجرد قول كلمة باسم الإنسانية والعدالة وحق الحياة، لصالح هؤلاء الأسرى الفلسطينيين الذين يدفعون عمرهم ثمنًا لكرامتهم.
فى هذا الملف يفرض الأسرى الفلسطينيون كلمتهم بمعركة «البطون الخاوية»، وذلك بإضراب جماعى عن الطعام، وهى معركة بقدر ما تطالب بحقوق عادلة للأسرى، إلا أنها تعيد إلى الواجهة اسم المناضل الفلسطينى المحترم مروان البرغوثى، القيادى بحركة فتح أكبر الفصائل الفلسطينية فى منظمة التحرير الفلسطينية، وهى الحركة التى ينتسب إليها الرئيس الفلسطينى الحالى محمود عباس.
يعود مروان إلى الواجهة، لأنه صاحب الدعوة إلى إضراب الأسرى، بعد مرور نحو 15 عامًا عليه فى السجون الإسرائيلية، والمعروف أنه أحد قيادات الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 بل يعد العقل المدبر لها، كما أنه القائد الميدانى للانتفاضة الفلسطينية الثانية، وبسببها ألقت إسرائيل القبض عليه يوم 15 إبريل 2002، وأصدرت حكمها عليه بالسجن مدى الحياة عام 2004.
كان البرغوثى فى الانتفاضتين نموذجًا للقيادات الميدانية الملهمة لآخرين فى النضال ضد الاحتلال الإسرائيلى، وهاهو يقود معركة جديدة من داخل سجنه، يحدد أهدافها فى مقال له بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، قائلًا: «إن الإضراب يهدف إلى مقاومة الانتهاكات التى ترتكبها مصلحة السجون الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين، وأن الأسرى يعانون من التعذيب والمعاملة المهينة غير الإنسانية والإهمال الطبى، وقتل بعضهم خلال الاحتجاز»، وقال: «هناك نظام فصل عنصرى قضائى يوفر إفلاتًا من العقاب للإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم ضد الفلسطينيين، ويقوم بتجريم المقاومة».
تعكس هذه المعركة حالة العجز العربى عن مواجهة إسرائيل فى أى شىء، والدليل يأتى من طبيعة رد فعل قادة إسرائيل، فعلى قدر الحال العربى عامة والفلسطينى خاصة يتحدث هؤلاء بكل صلف وغرور كما فعل وزيرالأمن الداخلى «جلعاد آردان»، الذى قال «إن حكومته لن تتفاوض مع المعتقلين الفلسطينيين، وأنهم قتلة وإرهابيون ونالوا ما يستحقونه»، وأضاف: «ليس لدينا سبب للتفاوض معهم»، واعتبر الوزير «تساحى هنغبى»، أن الأسرى المضربين مجموعة من القتلة القساة، وقال «إن الإضراب محاولة لزعزعة سلطة الرئيس محمود عباس، وأن البرغوثى يسعى إلى خلافته».
وينقلنا هذا الكلام صراحة إلى أن إسرائيل تضع فى حسابها تمامًا طبيعة القيادة الفلسطينية المؤهلة لقيادة «عباس»، وإذا كانت لا تحتاج إلى نموذج مثل «البرغوثى» فإنها تسد عليه كل الطرق المؤدية إلى ذلك، ومن هنا فإن معركة «البطون الخاوية» يبدو أنها تعبر فى أهميتها مسألة النضال من أجل تحسين ظروف الحياة داخل السجون، إلى مستقبل السلطة الفلسطينية ككل، وقد يفسر ذلك حالة الصمت العربى الرسمى عن هذه المعركة، صحيح أنها تأتى فى توقيت تعانى فيه القضية الفلسطينية من تدنى الاهتمام العربى بها، لكن من المؤكد أن الدوائر الرسمية العربية يشغلها مرحلة «ما بعد عباس»، وأغلب الظن أنها لا ترى «البرغوثى» خيارًا مفضلًا فيها.