لماذا لا يرفع البطل المصرى العظيم محمد مهران، دعوى قضائية يطالب فيها بريطانيا بالتعويض عما لحقه من أذى كبير أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956؟
السؤال طرحه صديقى الكاتب الصحفى، أسامة سلامة، رئيس تحرير «الكتاب الذهبى- روز اليوسف»، تعقيبًا منه على سلسلة المقالات التى كتبتها فى هذه المساحة الأسبوع الماضى، عن بطلنا العظيم الذى يخضع للعلاج فى أحد المستشفيات، أسامة تساءل وأنا معه: لماذا لا تهتم وزارات التربية والتعليم والثقافة والتعليم والشباب وغيرها بإصدار كتب أو كتيبات عن مهران وغيره من أبطال مصر؟ ولماذا لا تقوم الفضائيات والتليفزيون المصرى بعمل مواد تسجيلية عن هؤلاء بدلًا من البرامج التافهة التى تنفق عليها الملايين؟ وتثبت التجارب أنه ليس من الصحيح أن «الجمهور عايز كده».
وقصة «مهران» حالة درامية فريدة تلهم أى مبدع، وقد تلهم أى قانونى أيضًا فى تبنى قضيته، فهو كان ضمن الفدائيين الذين تطوعوا فى المقاومة الشعبية للدفاع عن بورسعيد ضد العدوان الثلاثى «بريطانيا وفرنسا وإسرائيل» عام 1956، بسبب قرار جمال عبدالناصر، بتأميم قناة السويس، وأسرته القوات البريطانية التى نزلت بورسعيد من يوم 2 نوفمبر 1956، واقتادته فى طائرة من بورسعيد إلى قاعدة عسكرية بريطانية فى قبرص، وفيها تعرض إلى تعذيب بشع، وتم إعلانه بأنه سيتم اقتلاع عينيه، ثم جرت مساومته على اقتلاع عين واحدة والإبقاء على الثانية مقابل أن يسب جمال عبدالناصر، ويعلن أن الشعب البورسعيدى يرحب بالقوات البريطانية، ويتم ذلك بتسجيل معه يذاع على العالم لغسل سمعة الدول المعتدية، وإظهارها كما لو أنها جاءت بإرادة المصريين، وتظاهر «مهران» بالموافقة لالتقاط الأنفاس من شدة التعذيب الذى يتعرض له، ولما حانت اللحظة تم وضع تسجيل أمامه، وأمره الطبيب الإنجليزى الذى قام بمساومته بالكلام، غير أن مهران فاجأهم بقوله: «أطلب النصر لمصر وقادتها على أعداء العروبة».
على أثر هذه المفاجأة حملوا «مهران» إلى غرفة العمليات وقام ثلاثة أطباء وممرضتين باقتلاع عينيه، ورغم رجاء «مهران» للطبيب أن يقتلع واحدة ويبقى الثانية كى يرى بها، إلا أن الطبيب أغلق باب الرحمة ونفذ جريمته.
الجريمة على هذا النحو تمت عام 1956، أى قبل 61 عامًا، وتمت أثناء عدوان غاشم على مصر تحفظ وقائعه سجلات التاريخ، والمعروف أن أى مقاومة ضد أى عدوان على الأرض هى مقاومة مشروعة، بما يعنى أن ما قام به الفدائيون ومنهم مهران فى مقاومة العدوان الذى نزل على أرض بورسعيد اتفق تمامًا مع كل المواثيق والقوانين الدولية، بينما ما قامت به دول العدوان الثلاث جرائم ضد الإنسانية، تستوجب المساءلة عليها، فهل تسقط مثل هذه الجرائم بالتقادم؟
قبل سنوات تفجرت قضية جرائم إسرائيل بحق الأسرى المصريين فى حربى 1956 و1967، حيث قامت بعمليات قتل لآلاف منهم ودفنهم تحت رمال سيناء، واهتم بالقضية منظمات المجتمع المدنى والأحزاب، وقامت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بجهد واسع فى توثيق شهادات الأسرى، وأصدر الكاتب الصحفى، الدكتور محمد بسيونى، كتابًا توثيقيًا حول ذلك، واهتمت وزارة الخارجية المصرية بالموضوع، وقيل إنه سيتم رفع دعوى قضائية بذلك، وفجأة أصيب كل هذا النشاط بسكتة لا يعرف أحد سببها، غير أنه ومن يومها عرف الجميع أن ما حدث مع الأسرى جريمة لا تسقط بالتقادم، وبالقياس فإن قضية «مهران» لا تسقط بالتقادم، فهل يفعلها؟