رفض الحاكم الإيطالى للصومال «إنريكو أنزيلوتى» حضور مندوب مصر التحقيقات التى تجرى فى مقتل السفير المصرى «كمال الدين صلاح» فى العاصمة الصومالية مقديشيو يوم 16 إبريل 1957، فكان الرد المصرى قاسيا ضد إيطاليا.
طالت يد الغدر «كمال الدين» للتخلص من دوره النشط المنحاز للصوماليين، من خلال عضويته فى المجلس الاستشارى التابع للأمم المتحدة، الذى كان يدير الصومال، تمهيداً لاستقلالها، وكانت إيطاليا هى الدولة التى تحتلها «راجع ذات يوم 14 إبريل»، وحسب كتاب «مصر والصراع حول القرن الأفريقى» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة» للدكتور محمد عبدالمؤمن محمد عبدالمغنى، فإن أحد احتمالات أسباب الجريمة التى فكرت فيها مصر كان اشتراك مسؤولى الإدارة الإيطالية بالصومال فى تدبير الحادث بسبب معارضة «صلاح» لمشروعاتهم فى البلاد، كما احتملت أيضاً، اشتراك بريطانيا وإثيوبيا وفرنسا مع إيطاليا بسبب وجود جوازات سفر إثيوبية وبريطانية مع الجانى وشيكات سياحية.
وحتى تصل مصر إلى الحقيقة قامت بالتحرك فى عدة اتجاهات، من بينها الرغبة فى قيام لجنة تحقيق دولية للتحقيق، وأبلغ ذلك قنصل مصر فى مقديشيو السفير عمران الشافعى لرئيس الوزراء عبدالله عيسى وشخصيات من حزب «وحدة الشباب الصومالى» الذى يرتبط بعلاقات طيبة مع مصر، لكن مصر تلقت فى يوم 26 إبريل «مثل هذا اليوم» 1957 مذكرة سرية من قنصلها تفيد بأن عبدالله عيسى أبلغه أن «أنزيلوتى» رفض، بحجة أن القانون الإيطالى المطبق فى الصومال لا يسمح بحضور أية لجنة تحقيق مصرية أو دولية.
حدث ذلك فى الوقت الذى كان محمد فايق، مدير مكتب الشؤون الأفريقية برئاسة الجمهورية، موجوداً فى مقديشيو بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر، ويتذكر فايق فى كتابه «عبدالناصر والثورة الأفريقية» عن «دار الوحدة - بيروت» موقف الإدارة الإيطالية نحوه كمبعوث لمصر لمتابعة التحقيقات، ودراسة الحالة فى الصومال.
يقول فايق: «قمت باتصالات واسعة مع جميع العناصر الوطنية هناك، متعمداً إظهار حجم هذه الاتصالات أمام الإدارة الإيطالية، كما قمت بنشاط واسع بين الجماعات الدينية، والتقيت بالجموع الصومالية فى الجوامع والجمعيات وأماكن التجمعات، وكان الغرض من ذلك هو تأكيد دور مصر وإظهار إصرارها على المضى فى تحمل مسؤوليتها التاريخية كاملة، ولم يمض على وجودى فى مقديشيو أكثر من بضعة أيام حتى أبلغت الإدارة الإيطالية القنصل المصرى «عمران الشافعى» بأننى أصبحت شخصية غير مرغوب فيها، وطلبت أن أغادر مقديشيو فى ظرف 48 ساعة».
انتشر الخبر فى المدينة فأحدث رد فعل قويا، يذكره فايق: «توافد على محل إقامتى أعداد كبيرة من الوطنيين الصوماليين والسياسيين من أصدقاء مصر، ومن المؤمنين بأهمية الدور المصرى فى الصومال، وكانوا جميعاً فى أشد حالات السخط على الإدارة الإيطالية، ولكنهم يترقبون ما سوف تسفر عنه الأحداث»، وحسب فايق، استدعت الخارجية المصرية السفير الإيطالى بناء على تعليمات الرئيس جمال عبدالناصر، وفى مبنى الوزارة «أخطره السفير عبدالفتاح حسن نائب وزير الخارجية بأنه - أى السفير - سيعتبر شخصية غير مرغوب فيها، وسيكون عليه مغادرة القاهرة فوراً، إذا لم ترجع الإدارة الإيطالية فى مقديشيو عن قرارها الخاص بإبعادى».
يؤكد «فايق»: «اضطرت الإدارة الإيطالية إلى التراجع عن قرارها، وبقيت فى مقديشيو لفترة أخرى ومارست نشاطاً واسعاً، وكان هذا بطبيعة الحال تعزيزاً لموقفنا هناك أمام الوطنيين الذين عرفوا أن مصر تستطيع أن تقف أمام النفوذ الإيطالى، وبعد عودتى قرر عبدالناصر تدعيم البعثة التعليمية المصرية فى الصومال، وزيادة أفراد القنصلية، وعين مندوباً جديداً هو الدكتور محمد حسن الزيات، واصل عمله بنفس الحماس والإخلاص الذى بدأه سلفه، إلى أن استقل الصومال عام 1960.
يرصد فايق جانباً من تأثير مصر فى الصومال بعد استقلاله: «فشلت كل الجهود التى بذلت لإيجاد علاقة تجارية أو اقتصادية بين الصومال وإسرائيل، كما فشلت جهود بريطانيا فى إدخال الدولة الجديدة فى رابطة الكومنولث البريطانى، ووجهت الإدارة الإيطالية الدعوة إلى إسرائيل لحضور احتفالات الاستقلال، لكنها اضطرت إلى إلغاء هذه الدعوة بعد احتجاجات كثيرة من الهيئات والتنظيمات والأحزاب الصومالية، كادت تنذر بتطورات خطيرة رأت الإدارة الإيطالية تجنبها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة