أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أننا نحتاج إلى التقارب والتكاتف والتعاون مع الجميع، من أجل نشر السلام والتسامح فى العالم أجمع.
وأضاف خلال اجتماعه مع فان رومباى -رئيس الاتحاد الأوروبى، ورئيس وزراء بلجيكا السابق- أن دار الإفتاء تعمل على تصحيح صورة الإسلام والمسلمين وإصلاح ومواجهة كافة التشويهات التى تقترفها الجماعات الإرهابية، والتى ساهمت فى انتشار ظاهرة "الإسلاموفوبيا" فى الغرب تحديدًا.
وأوضح فضيلة المفتى أن ظاهرة التشدد والتطرف موجودة فى جميع الأديان من قديم الزمان، وليست مختصة بدين بعينه، وقد ظهرت فى فترات من تاريخ المسلمين تحت أسماء مختلفة.
وأشار فضيلته إلى أن هذه الظاهرة قد اتخذت من الدين ستارًا، بينما الدين فى أصله يدعو إلى الوسطية والرحمة والتزكية والعمران، ويحرم التشدد والغُلو والإرهاب، وأن جماعات التشدد والتطرف والإرهاب كلها تنهل من معين واحد، وإن اختلفت أسماؤها، هو فكر ﺍلخوﺍرﺝ الذى ظهر فى منتصف القرن السابع الميلادى، وداعش يمثل أحد هذه الموجات التكفيرية.
وقال مفتى الجمهورية مضيفًا: "نحن فى مصر، وخاصة فى المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية، نركز على مكافحة داعش فكريًّا ونسعى إلى فضح البنية الأيديولوجية له"، لافتًا إلى أن مصدر التبرير المزعوم لكثير من مظاهر التطرف والعنف فى العالم الإسلامى وخارجه ليس مرده إلى تعاليم الأديان، ولكن إلى مجموعة معقدة من العوامل نحتاج لفهمها جيدًا بشكل معمق، حتى نعالج هذه الظاهرة التى باتت تهدد العالم أجمع.
وأكَّد فضيلته أن فهم الدين على النحو الصحيح يحتاج إلى متخصصين يفهمون النص الشريف، ويدركون الواقع المعيش، ويعرفون كيفية الوصل بينهما، أو باختصار نحتاج إلى إشاعة ثقافة احترام التخصص.
وأوضح فضيلة المفتى -خلال اللقاء- أن الجهاد بمعنى القتال شُرع لرفع العدوان، وهو الاستثناء المكروه لا القاعدة، والضرورة التى تُقدَّر بقدرها، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]، ولا يجوز اللجوء إليه إلا دفاعًا عن الأوطان.
ولفت إلى أن الجماعات الإرهابية دائمًا ما تجتزئ آيات القتال فى القرآن وتبترها من سياقها، ولا تربطها بالآيات قبلها وبعدها، حتى يختلط الأمر على العامة ولا يفهم المسلمون ما تحث عليه الآيات وما أحكامها، فتظهر على أنها دعوة للقتل فقط ودون أسباب.
وأكد مفتى الجمهورية أن العلاقة مع غير المسلمين فى نظر الجماعات الإرهابية هى السيف والحرب والصدام، وأن ما ورد فى القرآن والسنة من أخلاق العفو والغفران والصفح والصبر والبر والقسط والتسامح فى التعامل مع الآخر، كله منسوخ بآية السيف.
وأضاف أن الفكر المتشدد يريد أن يسحب مسائل الماضى فى حاضرنا، ولذلك تراه قد حوَّل هذه المسائل إلى قضايا، وإلى حدود فاصلة بينه وبين من حوله، وهذه القضايا يتعلق أغلبها بالعادات والتقاليد والرسوم، كالملابس والهيئات وطريقة الأكل والشرب.
وأشار إلى أن أصحاب الفكر المتطرف تسيطر عليهم عقلية المؤامرة، حيث يرون كل من حولهم وكأنهم يحيكون ضدهم مؤامرات، ويحاولون أن يبيدوهم ويدمروهم، مما يجعلهم متحفزين دائمًا، بأن يكونوا ضدًّ من حولهم ومعاندين لهم.
وحول نظر المتطرفين إلى المرأة قال فضيلته: "إن المرأة فى نظر التنظيمات الإرهابية سلعة تباع وتشترى وتهدى للمقاتلين كعبيد جنس، وهو ما يعد تحقيرًا من شأن المرأة وتجريدًا لها من إنسانيتها، وتصويرها باعتبارها بضاعة تباع وتهدى إلى الغير".
أما عن نظام الحكم فى الإسلام فأوضح مفتى الجمهورية أنه متروك للعُرف دون إلزام دينى بنظام معين، مشيرًا إلى أن الفكر المتطرف يعتمد على استخدام لغة مبهمة غير محددة بمعانٍ متقلبة ومختلفة، وأن المتطرفين يعالجون الأمور بنظرة غير متوازنة، فيتعاملون مع توافه الأمور بجدية وصرامة ويتعاملون مع الأحداث العظام بسطحية وتسفيه.
وأضاف أن الجماعات الإرهابية تجذب أتباعها من خلال تصدير خطاب دينى واحد، يعتمد السردية الجهادية التى تستقطب عددًا كبيرًا ممن يفتقرون إلى الإحساس بالهوية أو الانتماء من الشباب صغير السن، الذى يرغب فى المغامرة فى إطار إسلامى دون وعى ولا بصيرة.
وأوضح أن الجماعات الإرهابية ترتكب جرائم منكرة فى حق الحديث النبوى كذلك، إذ ينطلقون إلى كلمات من الهدى النبوى الشريف، فينتزعون الكلام النبوى من سياقه، ويحملونه على أسوأ المعانى والمحامل، ويخلعون عليه ما وقر فى نفوسهم من غلظة وعنف وشراسة وانفعال، مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده، فإذا بالكلمة المنيرة من كلام النبوة، التى تملأ النفوس سكينة ورحمة وإجلالًا لهذا الدين، وشهودًا لكماله، قد تحولت على أيديهم إلى معنًى دموى قبيح، مُشوَّهٍ، يملأ النفوس نفورًا ورعبًا.
وأشار إلى أن الفكر المتطرف يعتمد بالأساس على فكرة الصراع والصدام مع الآخر، والدين الصحيح يُسلِّم بتعدد الأبعاد والرؤى، ويعمل على التواصل مع الآخرين والانفتاح على العالم، والإفادة من خبراته وأفكاره دون صراع أو تسفيه.
من جانبه أبدى رئيس الاتحاد الأوروبى -رئيس وزراء بلجيكا السابق- اتفاقَه مع ما قاله فضيلة المفتى من ضرورة التعاون بين الجميع، من أجل تحصين العالم من هذا الفكر المتطرف الذى بات يهددنا جميعًا.
وأثنى على مجهودات فضيلة المفتى ودار الإفتاء المصرية فى محاربة الفكر المتطرف فى الداخل والخارج، وما تقوم به من أجل تحقيق السلام العالمي.
وأضاف أنه يتابع عن كثب إصدارات دار الإفتاء المصرية، التى تصدرها بلغات مختلفة من أجل تفكيك الفكر المتطرف، مؤكدًا أن بلاده حريصة كل الحرص على مد جسور التعاون من أجل حماية العالم من الإرهاب.