«أعلى درجات فنون الحرب لن تأتى بالقتال ولكنها تأتى بـالتخريب»، توقفت كثيرا عند هذه العبارة خلال قراءتى لأحد الكتب الأجنبية التى تتناول الخطوات التخريبية الأيديولوجية لأى دولة أو أمة، وما هى مراحل التخريب ومن أين تبدأ فى تدمير الدولة.
«التخريب».. هو كلمة السر لانهيار المجتمعات، تخريب أى شىء له قيمة لدى مجتمع دولة العدو مثل: تخريب العقل، إفساد الضمائر، إضاعة الوقت، إهدار معنى وقيمة الدين وأهمية التمسك به، زعزعة المبادئ والأخلاقيات الموروثة.. كل هذا وغيره يجعل عدوك فى حالة عدم اتزان فكرى ونفسى بل يصل به الأمر إلى أنه لا يراك عدواً من الأساس، بل يتشكك فى قدرته على فهمك وتصبح أنت ونظام دولتك البديل له عن حضارته وعقائده ومبادئه، وتصبح مرغوبا فى نظر عدوك بل هدفا يصبو للوصول إليه.. وهنا يسهل عليك أسر أمة بأكملها وإسقاط عدوك دون إطلاق رصاصة واحدة.
إن القتال فى أرض المعركة يأتى بنتائج عكسية وهمجية وغير فعالة، تعلمون أن الحرب هى استمرار لسياسة دولة ما، فإذا كنت تريد النجاح فى تنفيذ سياسة الدولة الخاصة بك وبدأت القتال.. فهذا أسوأ طريقة لتحصل على النتائج المرجوة.
التخريب ببساطة يتكون من أربعة مراحل زمنية محكمة، إذا بدأنا من أعلى وتدرجنا إلى أسفل وبشكل زمنى منتظم سنأتى بنتائج جيدة.. فأولى مراحل التخريب هى عملية «تدمير الأخلاق ونزع الروح المعنوية» ومعناها واضح من نفسه، فهذه المرحلة تستغرق ما بين 15 و20 سنة لكى تدمر أخلاق مجتمع.. فلماذا إذاً من 15 إلى 20 سنة؟؟ لأن هذه الفترة تكون كافية لتعليم جيل واحد من الطلاب أو الأطفال.. فهذه مرحلة حياة شخص، كائن إنسانى، تلك الفترة المخصصة للدراسة وتشكيل وتكوين الشخصية والمنظور، الأيديولوجية لا أقل ولا أكثر، وفى العادة تأخذ من 15 إلى 20 سنة.
فعلى ماذا تشتمل هذه المرحلة؟ تشتمل على التأثير أو بمعنى آخر التخلخل والزعزعة، على مستوى مختلف المجالات التى يتشكل أو يصاغ بها للرأى العام مثل الدين والنظام التعليمى والحياة الاجتماعية والإدارة ونظام تطبيق القانون ونقابات العمل وعلاقات أصحاب العمل والمنظور الاقتصادى.
أسلوب التخريب الذى أتحدث عنه يشبه فن الدفاع عن النفس اليابانى، فإذا كان أحد منكم على دراية بهذا الأسلوب ربما يتذكر أنه إذا كان العدو أكبر وأثقل منك سيكون من المؤلم جداً مقاومة ضربته بشكل مباشر، ومن غير المجدى إيقاف ضربته، لكن الطريقة المثلى للدفاع عن النفس وفقاً لقواعد الـ(سودو) اليابانى والصينى هو أولاً تجنب الضربة ثم إمساك قبضة العدو مع سحبه إلى اتجاه حركته حتى يصطدم بالجدار.
كيف؟!
البلد المستهدف تدميره يفعل شيئا خاطئا وحركات لا إرادية تأتى بنتائج عكسية فى مواجهة العدو، فمن الطبيعى أن يكون لأى بلد معارضوه بل وأعداء قد يكونوا مجرمين بسطاء أو من هم فى خلاف أيديولوجى مع سياسة الدولة، أو شخصيات مضطربة نفسياً تعادى كل شىء فى المطلق وهناك أيضاً مجموعات صغيرة من عملاء الدول الأجنبية يتم شراؤهم بإغراءات مادية ويتم تجنيدهم لحسابهم الخاص، وفى تلك اللحظة التى يتم فيها تحريك كل ما ذكر من هذه الأدوات باتجاه واحد يأتى الوقت الذى تمسك بقبضة عدوك الذى تتمنى تدميره وتجعله يستمر حتى يرتطم بالجدار.
وهنا تجر الحركة المجتمع بالكامل للانهيار وتأخذه إلى أزمة حقيقية، وهذا هو بالضبط أسلوب فن القتال، حيث لا يتوقف العدو بل تسمح له أن يذهب وتذهب أنت معه نحو الاتجاه الذى يريده هو، ففى مرحلة تدمير الأخلاق سيكون من الواضح وجود اتجاهات فى كل مجتمع وفى كل بلد ستذهب فى الاتجاه المعاكس للأخلاق الأساسية، والقيم والمبادئ لاستغلال هذه الحركات للاستفادة منها، وهذا هو الغرض الأساسى للتخريب.
أى مجتمع لديه الدين والتعليم والحياة الاجتماعية وهيكل السلطة ونقابات العمل والقانون والنظام.. تلك هى المجالات التى يطبق فيها التخريب.. فماذا يعنى هذا بالتحديد؟ فى حالة الدين.. قم بتدميره، اسخر منه، استبدل به مختلف الطوائف والعبادات والمعتقدات التى تجعل الناس ترى أن هذا الدين ساذج، بدائى، وغير مهم.. ما داموا فى الأساس قبلوا بتآكل العقيدة الدينية لديهم ببطء لتأخذهم بعيداً عن الهدف الأساسى للدين، وهو أن يبقى الناس على اتصال بخالق أعلى وهذا يخدم الغرض، وبعدها يتم استبدال المنظمات الدينية المقبولة والمحترمة بمنظمات وهمية لا تمت للدين بصلة وتصرف انتباه الشعب عن الإيمان الحقيقى وتصرفهم إلى أنواع الديانات المختلفة المتطرفة. أما فى التعليم: فقم بإبعاد الناس عن تعلم الأشياء الهادفة ذات القيمة البناءة، لتكون بديلة عن الرياضيات والفيزياء واللغات الأجنبية والكيمياء، وابدأ فى تعليمهم تاريخ حرب المدن والاقتصاد المنزلى أو أى شىء تافه طالما أنه يأخذهم بعيداً. وكذلك فى الحياة الاجتماعية: استبدل المنشآت والمنظمات التى أوجدتها التقاليد بمنظمات وهمية، انتزع المبادرة من الشعب، انزع منهم القدرة على تحمل المسؤولية من الروابط التى أُسست على الوطنية بين الأفراد ومجموعة من الأفراد وفى المجتمع عامة واستبدله ببيبروقراطية مصطنعة تتحكم حتى فى أجسادهم. أربعة مراحل تخريب يجب أن نمر عليها حتى تأتى بالنتائج المرجوة وهى:
- مرحلة تدمير الأخلاق ونزع الروح المعنوية Demoralization
- مرحلة زعزعة الاستقرار Destabilization
- مرحلة الأزمة Crisis.
- مرحلة التطبيع Normalization هذا استعراض لبعض المعلومات، أما عن كيفية تنفيذ حدوث هذا ورؤيتى لما تم حدوثه فى الخمس سنوات الماضية فى مصر والشرق الأوسط هذا ما سوف أقوم باستعراضه فى سلسلة المقالات المقبلة.
وللحديث بقية