فى مثل هذه الأيام تحل ذكرى واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية فى تاريخ البشرية، وأعنى جريمة العثمانيين القتلة ضد شعب أرمينيا، التى راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون من النساء والأطفال والشيوخ، تم إعدامهم بشكل جماعى بالرصاص، أو تعليقهم على أعواد المشانق، أو دفعهم إلى الهجرة الجماعية عبر الصحراء دون ماء أو طعام عام 1915، الأمر الذى أدى لوفاة غالبيتهم. وكانت مصر من الدول التى فتحت أبوابها لأبناء الشعب الأرمينى، ووفرت لهم ملاذًا آمنًا وحياة كريمة، وسرعان ما اندمج الأرمن الهاربون فى المجتمع المصرى، خصوصًا فى القاهرة والإسكندرية، وبرع منهم كثيرون فى التجارة والأعمال اليدوية والفنون المختلفة، وظهر منهم نجوم ساطعة فى السينما والمسرح والصحافة، لكن الغريب أن مصر التى احتضنت الأرمن الناجين من المذابح لم تعترف حتى الآن بجريمة الأتراك العثمانيين، ومسؤوليتهم التاريخية عن إبادة الأرمن.
السؤال الآن: لماذا لم تعترف مصر بمسؤولية تركيا العثمانية عن مذابح الأرمن؟ ولماذا لا تنضم مصر للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة و20 دولة أخرى اعترفت بجرائم العثمانيين بحق الأرمن، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات وتعويضات؟ لماذا هذا التكاسل عن حصار تركيا المعتدية الظالمة، فى الوقت الذى توفر فيه تركيا سلاحًا لضربنا وإيذائنا، ودعم كل من يعادينا فى الداخل والخارج.
أليست تركيا أردوغان هى التى تحتضن الإرهابيين الإخوان، وتمنحهم الملاذ الآمن والمال لنشر أكاذيبهم فى الفضائيات المملوكة لهم؟ أليست تركيا هى إحدى الدول الضالعة فى الأعمال الإرهابية على مصر عبر توفير المعلومات والسلاح للإرهابيين عبر أنفاق غزة؟ أليست تركيا أردوغان هى الدولة الأكثر تطاولًا على مصر ورئيسها فى جميع المحافل الدولية؟ لماذا إذن لا ننتهز الفرصة ونرد لها ضربة موجعة بالاعتراف بعمليات الإبادة الجماعية ضد الأرمن؟ ولماذا لا نسمح للجالية الأرمينية بإنشاء نصب تذكارى لضحاياهم فى مصر؟
العالم الآن مستعد أكثر من أى وقت مضى لدعم الأرمن المضارين ومعاقبة تركيا وديكتاتورها الأرعن أردوغان على ما ارتكبه أجداده العثمانيون من مذابح، والمتمعن فى تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب وكذا القادة الأوربيين، يكتشف على الفور أن ساعة الحساب قد حانت وأن من يدفع العالم إلى استحضار الجرائم العثمانية ضد الأرمن من جديد هو الديكتاتور أردوغان الذى ينكل بالأقليات وخاصة الأكراد ويطاردهم ليس فى تركيا فقط بل فى سوريا والعراق أيضا. وإذا كان ترامب يصف جرائم العثمانيين ضد الأرمن بأنها إحدى أسوأ الفظائع الجماعية التى ارتكبت فى القرن العشرين، وإذا كان البرلمان الألمانى قد صادق على أنها تندرج تحت جرائم الإبادة الجماعية، لماذا لا نتخذ القرار بإنصاف الأرمن وهم يستحقون الإنصاف، والضغط على أردوغان ونظامه مع الدول الكبرى الضاغطة حتى يحصل الأرمن على ما يستحقونه من تعويضات معنوية ومادية؟