يصمت الشيخ ولا يتحدث كثيرا ..لا يرد على الاتهامات أو حتى التجاوز، يعتقد البعض أن صمته ضعف أو عجز عن الرد، فيزدادون تطاولا، ولكنه حين يتحدث يجبر المتربصين على الصمت والإنصات، ويدرك الجميع قوة هذا الرجل وثقافته ويعرفون أن صمته ترفع عن الدخول فى مهاترات لا تليق بمنصب الإمام الأكبر الذى يجلس على رأس الأزهر منارة الإسلام.
هكذا شعر الجميع عندما تحدث الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر خلال كلمته التاريخية التى ألقاها فى استقبال بابا الفاتيكان، تلك الكلمة التى أنارت وأوضحت وحددت بصدق آفة عالمنا الحديث وأسباب كوارثه ودماره وحروبه، ونفت عن الأديان والحضارات تهمة رعاية الإرهاب، وأكدت أن كل ما يعانيه عالمنا من إرهاب وحروب صنعه تجار السلاح وأصحاب مصانع الموت الذين تزدهر تجارتهم بالقرارات الدولية الطائشة، وأن العالم تحول إلى غابة بسبب البعد عن تعاليم الأديان، معلنا براءة كل الأديان من الإرهاب.
تلك الكلمة التى جاءت فى وقتها لترد على المتربصين بالأزهر وشيخه الطيب الذين يحاولون الاصطياد فى الماء العكر بصب الاتهامات على الأزهر ومحاولة هدمه بدلا من إصلاحه بقوانين واتهامات وإساءات مجحفة.
حيث ينهال على الأزهر هذه الأيام سيل اتهامات، ويحاول الكثيرون تحميله كل من نراه من سوءات وأزمات، ويتهمونه بالتقصير والجمود ويزعمون أنه سبب ما نعانيه من إرهاب.
انطلقت هذه الاتهامات وتزايدت عندما ظن البعض وروجوا لوجود خلاف بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة، خاصة بعد قضية الطلاق الشفوى ومزحة الرئيس التى قالها للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب "تعبتنى يا فضيلة الإمام"، على الرغم من أن الرئيس أعلن أكثر من مرة احترامه وحبه لشيخ الأزهر، ولكن انهال الكثيرون هجوما وانتقادا وتقطيعا فى الأزهر وإمامه الطيب، إما ظنا بأنهم بذلك يجاملون الرئاسة، أو رغبة فى تحميل الأزهر كل سوءات وإهمال مؤسسات التعليم والصحة والإعلام والثقافة والاقتصاد، وتقصير الوزارات المختلفة، والتى كان محصلتها ما وصلنا إليه من انهيار اخلاقى واجتماعى وثقافى ودينى، وأن يحاسب الأزهر على كل المشاريب.
انتهز البعض الفرصة لتقييد الأزهر بقوانين تخالف الدستور وتقلل من شأن منصب الإمام الأكبر وتقزم منارة الإسلام الذى حاز احترام العالم على مر التاريخ وفى كل الظروف وكان ولا يزال قوة مصر الناعمة فى الخارج، والتى تظهر فى استقبال الدول لشيخ الأزهر وفى حرص كل الرؤساء وقيادات العالم على زيارة الأزهر الشريف إذا ما زاروا مصر، وأخرهم بابا الفاتيكان الذى حضر مؤتمر الأزهر للسلام.
أراد البعض التجويد وعدم الاكتفاء بمجرد إلقاء الاتهامات على الأزهر، فانطلق ليقترح مشروعات قوانين تجعل الأزهر أسيرا وإمامه موظفا وتقلل من شأن علمائه.
وتقدم النائب محمد أبو حامد بقانون يخالف الدستور، ويحدد مدة شيخ الأزهر فى ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وتجيز إحالته للتحقيق ومعاقبته بعدم الصلاحية وإجباره على الاستقالة، وهو ما لا يحدث مع أى قيادة دينية كالبابا تواضروس أو بابا الفاتيكان.
كما ينص مشروع القانون على أن يعين رئيس الجمهورية إمام وخطيب الجامع الأزهر، وإلغاء جامعة الأزهر وإحالة كلياتها إلى إدارة المجلس الأعلى للجامعات، كما يوقف مشروع القانون بناء المعاهد الأزهرية ويحيل أغلبها إلى وزارة التعليم ويكتفى بضم 3 آلاف معهدا للأزهر.
ويتضح من بنود مشروع القانون مدى التحجيم الذى يريده للأزهر منارة الإسلام داخل مصر وخارجها، والذى وإن مر بفترات ضعف كما تمر معظم مؤسسات الدولة، ومنها البرلمان نفسه الذى يسعى بعض نوابه لإقرار مثل هذا القانون، فلا يعنى هذا أن نهدمه بهذا القانون.
فلماذا يتعرض الأزهر لهذا الهجوم والرغبة فى الهدم وليس الإصلاح، بهذا القانون الذى تخسر به مصر أزهرها، وأكبر مصدر لقوتها الناعمة فى الخارج، وكأن البعض أراد أن يعفى نفسه من المسئولية بمسح يده فى عمامة الإمام الأكبر.