هناك اهتمام كبير، شعبى ورسمى، بتحسين صورة مصر فى الخارج، والأسباب كثيرة، أهمها أن هناك مشروعات تنموية كبيرة، ومجهودات وتضحيات هائلة لمحاربة الإرهاب، وعلاج مشكلات الاقتصاد، ومع ذلك فإن صورتنا فى الخارج ليست على ما يرام، من هنا فإن الدولة تتحرك سياسيًا وإعلاميًا من أجل تحسين صورة مصر فى الخارج، وقد اتفقت مؤخرًا مع وكالات أجنبية متخصصة فى العلاقات العامة لتحقيق هذا الهدف، لكن كل ذلك لا يكفى.
طبعًا تحسين الصورة أمر مطلوب ومشروع وضرورى أيضًا، لأنه يؤدى إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية، وجذب السياحة التى ما تزال أقل بكثير من معدلاتها قبل ثورة يناير 2011، لكن أظن أن كل مجهودات تحسين الصورة لابد أن تبدأ من الداخل، فالإعلام ووكالات العلاقات العامة وتحسين الصورة لن تخترع صورة إيجابية من فراغ، وإنما تقوم بتقديم صورة حقيقية ودقيقة لما يجرى على أرض الواقع فى مصر.
ولاشك أن هناك أمورًا إيجابية وسلبية تحدث فى مصر، كما تحدث فى كل بلاد العالم، وبالتالى فإن المطلوب هو إبراز الإيجابيات والتأكيد عليها، مع مناقشة السلبيات، وطرح أفكار وحلول الحكومة لعلاج هذه السلبيات.
ولا يمكن بحال أن نتخيل أو نتوهم أننا يمكن أن نخفى سلبيات أو جوانب قصور عن العالم الخارجى، لأن العالم أصبح قرية صغيرة، ووسائل الإعلام التقليدية والجديدة قادرة على الوصول لجميع الحقائق، وتقديمها للرأى العام العالمى.
سيقال لكن دعاية الإخوان، وتحيز بعض وليس كل وسائل الإعلام الغربية، تضخم من السلبيات، وتشوه الحقائق، وهذا صحيح تمامًا، لكن أريد أن أقول إن دعاية الإخوان لن تؤثر فى الشعب المصرى لأنها تقوم على الأكاذيب، وتمارس استعلاء غريبًا وشاذًا على الشعب المصرى، فكلامهم ينتقد الحكومة والنظام والشعب المصرى فى آن واحد.
وأظن أن الأخطر من دعاية الإخوان هو أخطاء وتجاوزات الإعلام المصرى، حيث يقوم بعض الإعلاميين المصريين بتشويه الحقائق، والإساءة لما يجرى فى مصر، بعضهم يقدم تغطيات مبالغًا فيها، وغير دقيقة لبعض جوانب القصور ومشكلاتنا اليومية، والبعض الآخر يبالغ فى الإشادة بالإنجازات بطريقة ساذجة وغير عقلانية، تؤدى أحيانًا إلى نتائج سلبية، وإلى نوع من عدم التصديق، إذ كيف تقنع الجمهور بكل هذه الإنجازات، بينما المواطن العادى لا يشعر بتحسن حقيقى فى حياته اليومية، ومسلسل ارتفاع الأسعار مستمر، ومشكلات التعامل مع الأجهزة البيروقراطية قائمة ولم تتغير.
القصد، لنبدأ من الداخل، من خلال تحركات حكومية جادة لمحاربة الغلاء وبيروقراطية وفساد أغلب الأجهزة الحكومية، وتحقيق معدلات تنمية مرتفعة تليق بإمكانيات مصر، وطموح شعبها العظيم فى حياة أفضل، وبالتوازى مع هذه الإجراءات لابد أن تحارب الحكومة الصورة السلبية عن أنفسنا، والتى تنتشر بين قطاعات واسعة من المواطنين، بسبب القلق والخوف من المستقبل، والغلاء، وتعليم الأولاد، لابد أن تتكلم الحكومة وتشرح للمواطنين أن هناك ضوءًا وأملًا فى نهاية النفق.
حكومتنا للأسف الشديد لا تريد، وربما لا تعرف كيف تتحدث مع المواطنين، فهى تركز على ضرورة أن يضحى الشعب، ويتحمل بعض الأعباء، ولا تتحدث عن الأمل فى المستقبل، وعن إجراءات تخفيف المعاناة عن كاهل الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى الذين عانوا خلال العامين الأخيرين، ودفعوا وحدهم تقريبًا فاتورة خفض الجنيه وتخفيض الدعم، لذلك لابد أن تبادر الحكومة باتخاذ تدابير فى الموازنة الجديدة لزيادة المساعدات الاجتماعية، وللتخفيف من آثار الإصلاح الاقتصادى، وإلا لن يقتنع أغلبية المواطنين بأننا نسير فى الطريق الصحيح. لقد وعد الرئيس السيسى فى ديسمبر الماضى الشعب بالتحمل لمدة ستة أشهر، بعدها ستبدأ الأمور فى التحسن، ومن ثم فإن على الحكومة أن تترجم وعد الرئيس إلى إجراءات ملموسة يشعر بها الجميع.
إذن تحسين الصورة يبدأ من الداخل، ومن زيادة معدلات التنمية والعدالة الاجتماعية، بعدها يمكن الحديث بثقة عن تحسين صورة مصر فى الخارج، أو بالأحرى تقديم صورة واقعية وحقيقية عن مصر، وهنا يجب أن نتحدث بصراحة، ونعترف بأن لدينا البعثات الدبلوماسية، ومكاتب تنشيط السياحة، وهيئة الاستعلامات، وجهات شعبية وإعلامية، ومع ذلك فإن مردود ما تقوم به هذه الجهات مجتمعة أقل من المطلوب، لذلك أقترح إنشاء هيئة حكومية تتمتع باستقلال إدارى ومالى وسلطات واضحة، وأن تبدأ هذه الهيئة عملها برسم استراتيجية شاملة لتحسين صورة مصر فى الخارج.. استراتيجية تجمع وتنسق كل الجهود الإعلامية والدبلوماسية والشعبية التى تُبذل لتحسين صورة مصر فى الخارج، لأن هناك بعض التضارب فى أنشطة الهيئات والجهات التى تعمل لتحسين صورة مصر فى الخارج.
إن الهيئة التى أقترحها ستكون بمثابة العقل المنظم لهيئات وجهود قائمة، علاوة على كونها ستبتكر أنشطة جديدة، وتنشئ هيئات أكثر قدرة على مواكبة التطور فى مجال الاتصال والإعلام والعلاقات العامة الدولية، خاصة اقتحام إمبراطورية «السوشيال ميديا» فى العالم، التى باتت أداة عالمية مؤثرة تستخدم فى صناعة الصور والاتجاهات فى العالم.
بعبارة أخرى، ينبغى أن يكون لهذه الهيئة التى نحتاج إليها دور كبير فى وضع مصر فى هذا العالم الضخم، المسمى بمواقع التواصل الاجتماعى، من خلال توظيف كوادر شابة ومؤهلة على التفاعل مع تلك الأدوات العصرية. وأخيرًا، فإن الهيئة المقترحة يمكنها أن تتولى دعوة إعلاميين وسياسيين لزيارة مصر للاطلاع على الحقائق، وتفعيل دور الدبلوماسية البرلمانية، والتنسيق مع الدبلوماسية الشعبية فى أنشطة تحسين الصورة.