زيارة بابا الفاتيكان لمصر تحمل الكثير من الدلالات، والتأثيرات القريبة والبعيدة، كان تواضع البابا فرانسيس لافتا، فالرجل ينتمى للأرجنتين، وعرف عنه اهتمامه بالفقراء والمظلومين، وهو اهتمام حقيقى يبدو فى مظهره، الرجل يحمل حقيبته بنفسه، وملابسه قديمة وفيها أثر الخياطة للأكمام. يحرص على استخدام سيارة فيات أقل بهرجة ورفاهية من سيارات الحرس، وهى تفاصيل يمكن اكتشافها مباشرة من سلوك الرجل، وابتسامته البريئة، وسوابقه فى الاحتفاء باللاجئين والفقراء والأطفال والمساجين، ووجوده يمثل نقلة فى علاقة الكنيسة الكاثوليكية بالمسلمين، وأيضا بإزالة الخلافات بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، باعتبار أن هناك دورا لمنارات الفكر الدينى فى إغلاق مناطق الخلاف والكراهية من أجل إنقاذ العالم من مطامع تقود العالم إلى صراعات وصدامات يدفع ثمنها المظلومون والفقراء، من هنا تأتى أهمية أن يلتقى ثلاثة من أهم رموز الأديان فى العالم وفى مؤتمر يضم ممثلين عن كل الأديان.
وإذا كان لقاء البابا فرانسيس بالإمام الأكبر أخذ الأضواء، فإن لقاء البابا فرانسيس بالبابا تواضروس كان واحدا من أهم اللقاءات فيما يتعلق بإزالة الخلافات بين الكنائس المسيحية، والاتفاق على الحرية الأديان والاعتقاد واحترام العقائد.
كانت كلمة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مهمة لكونها نبهت إلى كون الإرهاب الحالى جزءا من صناعة الخوف والحرب التى يقف خلفها تجار الحروب، وهنا يتماس مع تحليلات تربط نشأة الإرهاب بظواهر العولمة والصراعات، وأنها وإن تسترت بالدين فهى تتستر بنصوص مختطفة و«فهمٍ مغلوط، وتطبيقاتٍ مغشوشةٍ وتدينٍ كاذبٍ يُؤجِّجُ الصِّراعَ ويبث الكراهية ويبعث على العُنف»، بما يشير إلى أن الإرهابيين يخدمون بقصد أو من دون أهداف تجارة السلاح والخوف والكراهية تساعد وتمول تجار السلاح فى العالم ممن يربحون من وراء هذا، ثم إن الإرهاب والجوع والفقر نتاج للاختلال العالمى الذى تمثله رأسمالية لا تضع غير الربح هدفا لها حتى ولو كان على حساب ملايين الضحايا.
من هنا تأتى أهمية اللقاء الذى شهدته القاهرة وجمع ثلاثة من أهم قادة الأديان فى العالم وكل منهم يفترض أنه يقود الملايين.
ربما يدفع هذا بالأزهر الشريف أن يقود حوارا بين المذاهب، لينهى فتنة ظهرت خلال السنوات الأخيرة وتصاعدت مع غزو العراق. اشتعلت الصراعات المذهبية بين السنة والشيعة، بشكل لم يسبق له مثيل، وليس غير الأزهر يمكنه استعادة حوار المذاهب لانتزاع الكراهية المذهبية، والأزهر هو أول مؤسسة قادت حوار المذاهب وهو المؤسسة القادرة على انتزاع أسباب الكراهية المذهبية بدعم قيم المواطنة والتأكيد على أن الإرهاب يختبئ خلف الدين، لكنه يرتبط بتقاطعات وتفاصيل صناع الخوف والحرب فى العالم.