انتهت الانتخابات الداخلية لحركة حماس، فهنأت جماعة الإخوان فى مصر إسماعيل هنية الفائز برئاسة المكتب السياسى للحركة، بأن طالبته بجعل «سيرة حسن البنا وسيد قطب وأحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسى حاضرة أمام عينيه، يستمد منها الحكمة والتضحية».
التهنئة على هذا النحو تؤكد من جديد الرؤية الضيقة الأفق من جماعة الإخوان للقضية الفلسطينية، حيث تجعل وبوضوح نضال الشعب الفلسطينى وكأنه صدى لصوت «الجماعة»، والدليل يأتى من هذا التنبيه الذى تمليه الجماعة على «هنية»، وكأن القضية الفلسطينية لم يكن فى تاريخها أبطال من فلسطين، قتلتهم إسرائيل وهم فى ميدان المقاومة، سواء بحمل السلاح، أو بقول الكلمة.
وحتى لا نقع فى فخ «الفرز والتجنيب والتقسيم» الذى يعد منهجا أصيلا لدى «الجماعة»، نقول: نعم «أحمد ياسين» و«عبدالعزيز الرنتيسى» هما من شهداء القضية الفلسطينية مهما كانت خلافاتنا الأيديولوجية مع «حماس»، هما شهداء عند ربهم يرزقون كشهداء كل الفصائل الفلسطينية، مثل «فتح» و«الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديمقراطية «وباقى الحركات الفلسطينية الأخرى، فمن سقط على الأرض الفلسطينية برصاص إسرائيل وهو يقاوم هو شهيد أنفق عمره من أجل الدفاع عن أرضه وعرضه، وتكمن المأساة أو الملهاة فى أن «الجماعة» تتجاهل هؤلاء الشهداء، بينما تطالب بأخذ «سيد قطب» ومن قبله «حسن البنا» قدوة فى المسألة الفلسطينية، وذلك فى خلط واضح للأوراق، وقمة فى العبث، واستهتارا بالدماء التى سالت، وبالتاريخ الذى انكتب، ويؤكد كل ذلك أن الأصل عند «الجماعة» هو كتابة التاريخ على هواها ولمصلحتها، دون مراعاة لمصلحة «القضية» المزدحمة بشهداء عظام أعطوا لها عمرهم، ولقوا حتفهم بالإرهاب الإسرائيلى الذى طاردهم فى كل مكان بلا رحمة.
تتجاهل «الجماعة» شهداء عظام فى تاريخ القضية مثل، عبدالقادر الحسينى الذى استشهد يوم 8 إبريل 1948، ثم بعده بسنوات، غسان كنفانى، وكمال عدوان، وكمال ناصر، ومحمد النجار يوسف، وراشد حسين، وناجى العلى، وعلى حسن سلامة، وخليل الوزير «أبوجهاد»، وصلاح خلف «أبوإياد»، ودلال المغربى التى قادت عملية احتجاز لجنود إسرائيليين داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة يوم 11 إبريل عام 1978، ولم يخجل أيهود باراك من شدها من شعرها أمام عدسات المصورين وهى شهيدة ميتة برصاصه، وتركت وصية تطالب فيها أبناء الشعب الفلسطينى بالمقاومة، حتى تحرير كامل تراب فلسطين، وبالطبع لا تخلو قائمة الشهداء من ياسر عرفات رغم أى انتقادات له.
لماذا تتجاهل «الجماعة» ذكر هؤلاء رغم أن إسرائيل حشدت أجهزتها وعملائها وراء معظمهم فى منفاهم خارج فلسطين للتخلص منهم فى عمليات إرهابية خسيسة؟ ولولا أنها رأت فيهم وقودا حقيقيا للنضال الفلسطينى ما أقدمت على إجرامها باغتيالهم.
كان هؤلاء يرفعون راية النضال الفلسطينى إما بكلمتهم، وإما ببنادقهم، أو بأى وسيلة نضالية أخرى، بينما كان سيد قطب ينفق جهده فى وضع أسس التكفير والإرهاب، ولم تشغله القضية الفلسطينية بآلامها العظيمة ومحنتها العميقة، بنفس قدر انشغاله بتكفير من لا يكون تحت راية أفكاره.
هل يمكن بعد ذلك أن يعطى عامة الشعب الفلسطينى ثقته فى جماعة الإخوان بمصر وهو يرى أنها تضع رموزها فى مرتبة أعلى من شهداء القضية الذين أبدعوا فى خدمتها؟.
سؤالى ليس موجها إلى حركة حماس، فبالرغم من أنها أعلنت قبل أيام تخليها عن «الجماعة»، إلا أن وجدان قادتها قد يبقى مع ما تربت عليه منذ نشأتها، مما يعطى الفرصة للحديث عن حسن البنا وسيد قطب.. سؤالى موجه إلى الشعب الفلسطينى بتضحياته العظيمة من أجل قضيته.