حكى لى صديقى أنه منذ سنوات كان يدرس فى جامعة أسيوط، وذات مرة تناقش مع بعض أصدقائه من المهتمين بالشأن العام حول أفكار الحكومة القاصرة التى لم تحقق أى تنمية واضحة فى الصعيد، وكان يجلس معهم زميل ليس له علاقة بأى شىء فقط يسمع وهو سعيد لأنه يجلس مع مجموعة من الطلبة الجامعيين المثقفين، وقال أحد المثقفين «تخيلوا يا جماعة لو الحكومة أقامت مصنعا فى أسيوط فإن ذلك يعنى أنه على الأقل 500 شخص سيعملون به، وبالتالى ستنعكس الاستفادة بشكل مباشر على نحو 5 آلاف شخص» ورد الجالسون «نعم لو فعلت ذلك» وهنا تدخل الزميل الصامت المعجب بالمثقفين ليسألهم فى صدق تام وباستنكار غريب جدا «طيب.. والحكومة ها تستفاد إيه؟!» ولم ينطق أحد.
تذكرت هذه الحكاية وأنا أفكر أنه منذ أن أصبح لدينا وعى بالحياة، لا نعرف وجودا تنمويا للحكومات فى قرى الصعيد سوى رصف الطرق، عندما نرى مسؤولين قادمين بسياراتهم ومهندسين يروحون ويجيئون على الطريق نعرف أن الحكومة تذكرتنا وقررت أن تعيد رصف الطريق المرصوف من قبل، وبالمناسبة هى طرق ضيقة لا تفى بحاجة الناس هناك.
كما أن أتذكر أن كل شىء كان يحدث هو بأيدينا فالمدرسة التى كنا نتعلم فيها كانت أرضها تبرعًا من الأهالى، لدرجة أن حلما بإنشاء وحدة صحية صغيرة لم يتحقق حتى الآن، لأن الأهالى لم يتبرعوا بالأرض، لكن أن نحلم بمشروع إنتاجى تقوم به الحكومة لمساعدة شباب هذه القرى، فهذه فكرة مستحيلة ومن الغباء أن ترد على أذهاننا أصلا.
لا أعرف لماذا فكرت فى ذلك عندما قرأت تقريرا يقول «قسمت خطة الحكومة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام 2016/2017، محافظات صعيد مصر إلى ثلاثة أقاليم هى «شمال ووسط وجنوب»، ضمت 10 محافظات.
وبلغت جملة الاستثمارات العامة المستهدفة فى إقليم جنوب الصعيد ويضم «البحر الأحمر - سوهاج - أسوان - قنا - الأقصر» فى خطة العام الحالى، نحو 21.5 مليار جنيه، بما يمثل %10.4 من جملة الاستثمارات العامة على مستوى الجمهورية، بينما بلغت جملة الاستثمارات العامة المستهدفة فى إقليم وسط الصعيد ويضم «أسيوط - الوادى الجديد» فى الخطة، نحو 11.4 مليار جنيه، بما يمثل %5.5 من جملة الاستثمارات العامة على مستوى الجمهورية، فيما بلغت إجمالى استثمارات إقليم شمال الصعيد ويضم «المنيا - الفيوم - بنى سويف» نحو 10.3 مليار جنيه، بما يمثل %5 من الاستثمارات المنفذة فى محافظات الجمهورية.
وتمنيت ألا تكون مشاريع الحكومة التنموية هذه المرة قاصرة على رصف عدة طرق فى الصعيد بنحو 33 مليار جنيه، ويا رب تكون لديها أفكار أخرى حتى لو مصنع وحيد يعمل به 500 شخص.
