«ومنين بيجى الشجن.. من اختلاف الزمن، ومنين بيجى الهوى.. من ائتلاف الهوى، ومنين بيجى السواد.. من الطمع والعناد، ومنين بيجى الرضا.. من الإيمان بالقضا، من انكسار الروح فى دوح الوطن، يجى احتضار الشوق فى سجن البدن، من اختمار الحلم يجى النهار، يعود غريب الدار لـ«أهل وسكن».. من منا لا يتذكر هذه الكلمات التى كتبها شاعرنا الكبير سيد حجاب لتتر مسلسل «ليالى الحلمية» الذى قدمه الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، وأخرجه إسماعيل عبدالحافظ، وشارك فى بطولته العديد من نجوم الفن على رأسهم يحيى الفخرانى وصلاح السعدنى وصفية العمرى وحسن يوسف وممدوح عبدالعليم وهشام سليم وآخرون.
مع قرب شهر رمضان، الجميع يتذكر سلسلة أجزاء مسلسل «ليالى الحملية»، لما قدمته من دراما حقيقية فى رصد التاريخ المصرى الحديث منذ أيام الاحتلال الإنجليزى مروراً بفترات حكم الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر ومحمد أنور السادات، وصولاً إلى حقبة التسعينيات، ونستثنى الجزء الأخير الذى تم إنتاجه الموسم الرمضانى الماضى وكتبه أيمن بهجت قمر، نظراً لأنه لم يظهر بالطريقة المأمولة لتجسيد فترة السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وحتى ثورة 25 يناير.
من هنا، عشرات الأسئلة تتفجر حول غياب الأعمال الدرامية الجيدة، وتحديدا التى تمس الجوانب التاريخية لتراثنا القديم، ومع اقتراب حلول الشهر الكريم نفتش عن جواب منطقى يفسر غياب الدراما الدينية وهجره للشاشة الصغيرة، فهل اصطدم بحائط صد منيع حجب ظهورها أم أنها تواجه صخرة الرفض العتيدة من المؤسسات الدينية، أم أن الأمر متعلق بالمنتجين أنفسهم وخوفهم من التكلفة الإنتاجية الكبيرة، وإذا كان الأمر كذلك فأين دور الدولة فى إنتاج أعمال تحاكى تاريخنا الإسلامى وثرائه بالقصص والشخصيات التى تستحق أن تتحول إلى روايات؟!
لابد أن يعى الجميع بأن الأعمال الفنية ضرورية فى وقتنا الحالى تحديدا، خاصة مع استخدام الدين فى الخلافات السياسية حتى وصل الأمر لوجود انهيار أخلاقى، لدرجة خروج فتاوى تجيز قتل الآخر لمجرد خلافات فى وجهات النظر أو لتنفيذ أجندات معينة، حيث إن السنوات الأخيرة رأينا ما لا يصدقه عقل من حوادث إرهابية ضخمة ليس فى مصر بحسب، بل فى كل بلدان العالم، ونجد فى معظم الحوادث الإسلام هو المتهم الأول، فهذا بالطبع غير صحيح بالمرة، لذا نقترح أن يكون مشروعا قوميا تتبناه وزارة الثقافة مثلا أو غيرها من الجهات المختصة عبر ورشة عمل لإنتاج نصوص دينية صالحة للدراما، لتوصيل الرسالة السامية للإسلام للأجيال الجديدة وكل الكرة الأرضية، والبحث عن التمويل المناسب لها.
نحن نحتاج إلى التصدى إلى طيور الظلام عبر الفن، ما دام النظام التعليمى فى مصر فشل فى إنقاذ أبنائنا من الأفكار السامة، فاللعب فى العقول مثل النقش على الحجر، وهذا ما تستخدمه الجماعات الإرهابية مع الطلاب فى المدارس والجامعات.. باختصار نحتاج إلى فهم حقيقة التسامح والتعايش الذى نادت به كل الأديان السماوية.