تبدو الجولة الخليجية للرئيس السيسي هذه المرة غاية في الأهمية بما تحمله من دلالات الانتباه لأهمية دور مصر المحوري في المنطقة الأكثر اضطرابا في عالم اليوم، خاصة فيما يتعلق بحتمية تشكيل قوة عربية لمواجهة أي تطورات أو أعمال عدائية تواجهة المنطقة العربية وتحديدا منطقة الخليج ، وهو ما يعد استكمالا للمشاورات التى جرت على هامش القمة العربية فى البحر الميت بالأردن مارس الماضي ، للاتفاق على آلية التعامل مع الأزمات العربية الحالية، الأمر الذي يتواكب مع حصول جيش مصر على الترتيب رقم 4 على مستوى العالم في تدريب الجيوش الأخرى، ودورها في إعادة هيكلة بعض الجيوش التي انهارات مثل ليبيا والعراق، فضلا عن مساهمته الفعالة في تدريب جيشي البحرين والإمارات.
ولعل المقال الكاشف لبلاغة وحمكة الفعل السياسي المصري الحالي، كما جاء على لسان الكاتب الصحفي الكويتي الكبير أحمد الجارالله ، كان غاية في الدقة والفهم لطبيعة المخاطر التي تحيط بالمنطقة العربية، حين ذهب إلى توضيح كيف أصبحت مصر تحت قيادة الرئيس السيسي رمانة الميزان في المنطقة، كما جسده بلغة واعية، حين أشاد بالدور المصري مخاطبا الرئيس قائلا : مرحبا بك، ليس في الكويت فقط، إنما في دول "مجلس التعاون" الخليجي كافة، هذه الدول التي تقاسمت معها مصر المهمة التاريخية الصعبة والشاقة في عبور بحور الظلام التي أرادت إغراقها فيها وحوش التطرف والتوسع، بدءا من إسرائيل مرورا بإيران وليس انتهاء بالولايات المتحدة الأميركية، التي دفعتها إدارة الرئيس باراك أوباما إلى السير خلف شهوات الدم الإيرانية والإسرائيلية إشباعا لنزوات من لا يزالون يعيشون في كهوف القرون الوسطى.
وإلى الذين لايبصرون الحقيقة جيدا، ولا يدركون حجم وثقل بلدهم وجيشها العظيم، يقول الجار الله مخاطبا رئيس مصر: "أنت هنا بين إخوانك، الذين كنت عضيدهم في المحنة، فكما بذلت مصر بقيادتك، وعبر جيشها العظيم، الغالي والنفيس لدرء خطر "الإخوان" الإرهابيين عنها، كنتم في الوقت نفسه تنقذون المنطقة كلها، مما دبرته بليل تلك الجماعة مع الدوائر الإسرائيلية والأميركية وأجهزة استخبارات غربية لإغراق دول "مجلس التعاون" الخليجي ومصر في بحر الفوضى والحروب الأهلية والطائفية، ودفعت إليه العراق وسورية وليبيا، وكادوا يبيعون دول الخليج إلى إيران، ويدخلون بقية الدول العربية نادي الدول الفاشلة.
وتأكيدا على دور مصر كدولة محورية ورئيسها البطل قال : "طوال السنوات الماضية تحملتم أمانة العمل على إبعاد شر الإرهاب عن الإقليم من خلال دحره في مصر، وأحبطتم المخطط الإسرائيلي بنقل جماعات الإرهاب العالمي إلى صحراء سيناء.. فعلتم ذلك حين لبيتم مطالب الشعب المصري عندما استنجد بجيشه لإنقاذه من براثن حكم مكتب”الأوباش”، فكانت ثورة 30 يونيو بداية الخروج من النفق المظلم، ولهذا جاء انتخابكم مجردا من أي تدخلات لأجهزة استخبارات، كما درجت العادة في بعض الدول العربية.
الجارالله أعاد على مسامعنا من جيد الحقائق الثابتة في مسيرة السيسي والتي يحاول أن يغفلها كثيرون في زحمة الأحداث، حين خاطبه قائلا: أنك لم تسع إلى كرسي الرئاسة، بل هي أتت إليك عبر الثقة الشعبية المصرية، فلم تسرق أصواتا أو تدلس في صناديق الاقتراع، والتاريخ يشهد أنها المرة الأولى التي تنتخب فيها مصر بشفافية ونقاء قل نظيره، والتاريخ يشهد أنكم حاولتم مرارا عدم الرضوخ لمطالب الشعب خوفا من ألا تكونوا بقدر طموحات شعبكم وشعوب المنطقة والإقليم، لكنكم بالتصميم والعزيمة لم تخيبوا آمال المصريين، فكنتم كل يوم تجددون العهد والثقة، بالعمل والإنجازات، ولهذا أصبحت مصر اليوم بعيدة كل البعد عما يمكن أن ينغص عليها، أو يثير قلق الخليجيين، بل العرب أجمعين، فمصر المستقرة مصدر اطمئنان للعرب كافة.
والحقيقة الغائبة في عقول النخبة المصرية يلخصها "الجار الله" في مقاله الكاشف جدا لنا قبل غيرنا ، حقيقة بلد ورئيس لايعرفهما كثيرون من أبناء تلك النخب التي ابتلينا بها ليل نهار على الشاشات الفضائية عبر أحاديث عدوانية، حين قال: سيادة الرئيس : من تكبد مشقة هذه المهمة الصعبة ، لا شك أنه يستطيع صد أي حملات تشويش على العلاقات المصرية - الخليجية يشنها من لا يزالون يسعون إلى الإيقاع بين مصر ودول”مجلس التعاون” الخليجي، ويسوقون لـ"الإخوان" والجماعات المولودة من رحمها، ولنا بقدرتكم وحكمتكم ملء الثقة على تحقيق ذلك .
ربما تطلع كثير من المصريين في أثناء هذه الجولة الخليجية إلى أهمية عقد اتفاقيات تجارية واقتصادية مع السعودية والكويت والإمارات والبحرين، من شأنها دفع عجلة التنمية إلى الأمام، في ظل خروج قانون الاستثمار الجديد للنور، ومما لا شك فيه أن بلدان الخليج التى زراها الرئيس السيسي الآن تبحث عن مكان آمن كى تستثمر فيه أموالها ، ولن تجد أفضل من مصر فى الاستثمار خاصة فى ظل القيود التى توضع على بعض البلدان العربية مثل قانون "جاستا" الأخير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ضد المملكة العربية السعودية ، وبالتالى التضييق على رؤوس الأموال الخليجية فى أمريكا وبلدان أخرى، فكان المنفذ الطبيعى للاستثمار هو الاستثمار فى مصر هذا هو البعد الاقتصادي.
لكن يبقى الأبرز من حيث الأهمية الاستراتيجية هو التأكيد على الوجود المصري في دعم أمن واستقرار دول الخليج العربية، والارتقاء بالعلاقات الأخوية مع دول الخليج العربي كافة، بما يخدم مصالح شعوب المنطقة العربية، مايعنى ترجمة عملية لقدرة مصر والأشقاء فى الخليج على مواجهة جميع المشكلات والأزمات والأوضاع المأساوية التى تعانى منها الشعوب العربية، خاصة فى فلسطين وسوريا وليبيا والعراق واليمن، إضافة إلى العمل العربى المشترك والتعاون بين جميع الدول العربية لمواجهة التحديات التى تواجه الأمة العربية، وبالطبع يبدو الشق الأمني والعسكري يبدو غاية في الأهمية ؛ فالمؤشرات الأخيرة تؤكد أن الجيش المصرى من أقوى جيوش العالم والخليج يعي ذلك جيدا، ومن ثم لا يمكن أن الاستغناء عن مصر، وأن العلاقة بين دول الخليج ومصر هى علاقة استراتيجية لا يمكن التقليل منها.
الزيارة حملت رسائل عدة لأطراف بعينها تحاول اختراق السيادة الوطنية لدول الخليج، ومن أهمها أن تبعث الزيارة برسالة لبعض القوى التى تدبر شرا للأمة العربية، وتحاول تعكير صفو العلاقة المصرية مع دول الخليج ومنها دويلة قطر وتركيا الدولة التى لفظها الاتحاد الأوروبى، فتحاول جاهدة أن تجد ضالتها لتصبح زعيمة الدول العربية بتعكير صفو العلاقات المصرية الخليجية ، ومن هنا فالزيارة في مجملها تؤكد أن الخليج لا يمكن أن يستغنى عن مصر، وأن العلاقة بين دول الخليج ومصر هى علاقة استراتيجية لا يمكن التقليل منها ، وأيضا هى رسالة لإسرائيل بأن مصر بجيشها هو الرادع لأى محاولات لتقسيم البلدان العربية ، كما أنها أيضا تأتي في إطار التصدي للإرهاب بعدما أصبح مدعوما - كما يبدو واضحا للعيان - من جانب دول ومنظمات دولية تستهدف تحركات الدبلوماسية المصرية في الوقت الراهن ، كما بدا لنا في استهداف الحدود الغربية بعد الهدوء النسبي للحدود الشرقية ، لكن جهود القوات المسلحة فى تأمين حدود الدولة علي كافة الاتجاهات الاستراتيجية ، كانت لهم بالمرصاد ، وبناءً على معلومات استخبارية مؤكدة تفيد بتجمع عدد كبير من السيارات استعدادا للتسلل إلى داخل الحدود المصرية على الاتجاه الاستراتيجى الغربى، وبأوامر من القيادة العامة للقوات المسلحة، أقلعت تشكيلات من القوات الجوية لاستطلاع المنطقة الحدودية، واكتشاف وتتبع الأهداف المعادية وتأكيد إحداثياتها والتعامل معها فور اختراق خط الحدود الدولية، أسفرت العملية، التى استمرت على مدار 48 ساعة، عن رصد واستهداف 15 سيارة دفع رباعي محملة بكميات من الأسلحة والذخائر والمواد المهربة وتدميرها بشكل كامل.. إنهم يردون شرا بنا وبعض نخبنا – للأسف - لاتفهم الحقائق المرة حول المؤامرات الدنيئة التي تحاك من خلف ستار، والتي أوضحها "الجار الله" بأسلوبه الشيق في مسألة عبور بحور الظلام ، والذي لا أتمني أن يمر مرور الكرام على كل وطني شريف ينتمي لتراب هذا البلد.
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو عادل
محمد حبوشة
سلمت أستاذي الفاضل وسلمت يمناك ( وسلمت البطن اللي شالتك )