محمد شومان

الربيع العربى وما قبله.. رؤية د. حمد المرزوقى

السبت، 13 مايو 2017 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الربيع العربى وما قبله.. عنوان ورقة فكرية عميقة ورصينة قدمها د.حمد المرزوقى، ونشرها فى كتاب صغير فى حجمه، كبير فى معناه وبنيانه. والمرزوقى واحد من أهم المفكرين السعوديين، وله تجربة طويلة فى التعلم الذاتى، والتدريس فى جامعات العالم، والبحث العلمى الاجتماعى، والكتابة لسنوات، وهو واحد من أصحاب المشروعات والرؤى الفكرية، لذلك اتخذت كتاباته فى السنوات الأخيرة منحى فكرياً تأسيسياً، وابتعدت عن المتابعة لقضايا وأفكار الواقع العربى المتغير.
 
لكن الرجل لم يستطع أن يصمت أمام تحولات وعثرات الربيع العربى، فكان أن قدم رؤيته للربيع العربى وما قبله، وربما ما بعده أيضاً، وهو اجتهاد خاص يحتمل الخطأ والصواب.. وهو ما يعبر بالضبط عن منهجه فى تناول القضايا متحدثاً أو كاتباً.. وهى الرسالة التى يجب أن نتعلمها جميعاً.. إن الأمة كلها تمر بظروف صعبة ومعقدة.. وعلينا أن نتعلم كيف نتحاور حول مستقبل هذه الأمة، نختلف أو نتفق، علينا أن لا نهمش بعضنا أو نتبادل التصنيف أو الاتهام.
 
استهلّ الصديق العزيز د. المرزوقى كتابه بالإجابة على سؤالين كبيرين هما: ما هى القواسم المشتركة بين دول الربيع العربى؟ وما أسباب سقوط الأنظمة فى دول الربيع العربى؟.. حيث قدم إجابات عميقة ودقيقة للغاية، مؤكداً أن الأزمات الكبرى فى التاريخ دائماً ما تكون أسبابها متنوعة وأبعادها متعدّدة، ويركز د. المرزوقى على دور النخب العربية «رجال دين، كتّاب، مفكّرين، رجال أعمال.. الخ».
 
ويتساءل: هل كان لهذه النخب دور فى تشخيص الواقع، ونصيحة السلطة وتحذيرها من عواقب ما يجرى فى المجتمع، وما يمارس من فساد فى السلطة العامة؟! وهل قدّمت هذه النخب رؤية بديلة، أو أفكاراً أو منهجاً إصلاحياً يمنع تداعيات الأحداث، ويُجنّب البلاد ثورات مثل ما حدث فى الربيع العربى؟ ثم ما هو دور تلك النخب بعد سقوط الأنظمة فى دول الربيع العربى، وما هو مقدار تأثيرها على مسار وسير الحياة السياسيّة فى هذه الدول؟! يجيب د.حمد المرزوقى: أخشى أن تكون الإجابة على السؤال سلبيّة!
 
ويضيف أنّ كلّ المؤشرات والمقدمات التى نشهدها الآن تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ دور هذه النخب ضعيف، بل كشفت الأحداث عن عدم قدرتها على الإمساك بزمام الأمور على النحو الذى كانت تدّعيه إبان الثورة. لقد طرحت النخبة ودعاة الإصلاح تحديدا أفكاراً إصلاحية مقبولة، ولكن هؤلاء الدعاة لم يدركوا طبيعة الواقع الثقافى والاجتماعى لمجتمعاتهم، ومن ثمّ لم يتمكنوا من إدارة الصراع فيما بينهم، ورسبوا جميعاً فى الامتحان.
 
ويخلص د. المرزوقى إلى أنّ ما نشهده الآن هو حالة من الفوضى كناتج لعدم كفاءة الإدارة التى أعقبت سقوط الأنظمة السياسيّة السابقة. ويؤكد أن هناك نماذج من البشر موهوبون فى إثارة الاضطرابات، ولكنهم يفشلون فى إدارة الصراع الاجتماعى أو التعامل مع الأزمات الكبرى.
 
ويرى المرزوقى المشكلة الرئيسة للنخب السياسيّة العربيّة أنّها فى الغالب نخب تستعيد فى وجدانها تجربة الفكر الأوروبى وتحولاته ومفاهيمه ومعاييره، ومن ثمّ تتبنّى رؤية سياسيّة وثقافيّة واجتماعيّة، تعبّر فى خطوطها العريضة عن رؤية غربيّة بحته. ولذلك عندما حدثت انتخابات حرّة ونزيهة بعد ثورات الربيع العربى لم تتمكّن النخب السياسيّة من تحقيق نتائج تتناسب مع ما يدّعونه، وهو ما يؤكّد ما ذهب إليه المرزوقى فى تحليله السابق، وهو هنا بالطبع لا يعمّم على كل المفكّرين العرب، ولكنّه يتحدّث عن الأغلبيّة.
 
ويخلص المرزوقى إلى أنّ مفهومنا عن «الديمقراطيّة» بحاجة إلى مراجعة جادة. فقد افترض البعض أنّ المفهوم الغربى للديمقراطيّة يمكن لنا تجسيده عمليّاً فى حياتنا السياسيّة، ونسينا فى غمرة حماسنا لها أهميّة الخصوصيّة الثقافيّة والدينيّة والاجتماعية لمجتمعاتنا. ويرى أن اللاشعور الجمعى نتاج تاريخى، وهو الفاعل الحقيقى والمؤثّر فى تشكيل اتجاهات الأفراد، وصياغة ميولهم السياسيّة والثقافيّة. فكلّنا يعرف أنّ «الديمقراطيّة» ولادة طبيعيّة لتحوّلات الفكر الغربى عبر قرون عديدة.
 
ويؤكد د. المرزوقى على أن «الديمقراطية» بحاجة إلى ثقافتها «الخاصة»، وفى هذه المنطقة من العالم لنا ثقافة مختلفة ووضع اجتماعى مختلف. إنّ هناك أبعاداً خاصة بمستوى وعى الشعوب، وكذلك إرثهم العقائدى والثقافى والتاريخى. ويقول: «أنا هنا – حتى لا يساء فهمى- لا أعطى أحكام قيمة، ولكنى أنطلق من أحكام الواقع، فمن دون شك فإن تبادل السلطة مصدر استقرار وضمانة استمرار، ولكن واقع المجتمعات هو الذى يحدد إمكانية نجاح نظام سياسى كهذا».
 
وبصرف النظر عمّا حدث فى عالمنا العربى- يقول د. المرزوقى- فإنّنا كعرب بحاجة ماسّة لمراجعة منهجيّة لمفهوم الإصلاح وكيفيّة بناء دولة قويّة وعادلة وشرعيّة، أى دولة تكسب ولاء مواطنيها، وتؤسس لقواعد استقرار راسخة، يشعر معها المواطن بالأمن والأمان، ولا تهضم حقوقه.. أى باختصار دولة تُرضى الله سبحانه وعباده الصالحين.
 
ومن ثمّ فإنّ على دولنا العربية والإسلامية مجتمعة أو متفرقة، أن تعمل على ترسيخ قيم الإسلام الوسطيّة المتسامحة ذات الطابع الإنسانى الخلاق. وعليها كذلك أن تُعيد تأهيل الإنسان العربى المسلم فى ضوء قواعد الشريعة، وأن يكون العدل ليس شعاراً فحسب بل ممارسة وسلوكاً وأسلوباً للحكم.
 
وعندما تأخذ دولنا هذا النهج، أو حتى تقترب منه، سنتحول بعون الله وتوفيقه إلى أمّة فاعلة فى مجرى التاريخ الإنسانى، فنحن أمّة دعوة وأمّة تبليغ، وإذا قدّمنا نموذجاً حياً لقيم الإسلام وأخلاق المؤمن، وشريعة العدل، سيتمّ لنا التمكين، والنصر الذى وعد الله به عباده.
 
من هنا، والكلام للدكتور المرزوقى، فإنّ المطلوب لكى يخرج العرب من هذا النفق المظلم، نفق التخلّف والتنازع والتناحر والتخاصم والحروب الأهليّة، أقول المطلوب هو العودة إلى أصولنا العقديّة، ونُظم شريعتنا الإسلاميّة. أى أنّ المطلوب تأسيس دولة حديثة برؤية إسلامية، يقودها رجال يكون العدل ديدنهم، وتطبيق القانون هدفهم، ويتميزون بسلوك نزيه، ويكافحون كل مظاهر الفساد المالى والإدارى، رجال من هذا الطراز وجدوا فى مجتمعات قديمة ومعاصرة.
 
ويؤكد د. المرزوقى أنّ تحقيق ذلك مشواره طويل وصعب، وله شرطان: الأول: أن تكون الدولة هى صاحبة هذا المشروع، ترعاه وتنفذه تحت إشرافها الدقيق. وإذا كان فى الدولة عناصر تضع مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة، أو عناصر غير مؤهلة، ولا تعى أبعاد المشروع النهضوى ووسائل تنفيذه، فلن يكون هناك نهضة ولا تنمية ولا مشروع، وإنما نصوص تحفظ فى اضبارات الدولة يعلوها الصدأ والغبار، ويصبح المشروع ذاته عودة إلى الوراء، كما يحدث الآن فى عالمنا العربى.
 
الشرط الثانى: أن دور المواطن مُكمّل لدور الدولة، فتَقدم الشعوب مرهون بقدرة مواطنيها على التفاعل مع الأهداف الحيويّة للمشروع الذى تمت صياغته، وكذلك الاستجابة للتحديات التى يطرحها واقعنا المتخلف.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة