من الأعراض الجانبية للمعارك التوكشوية أنها تدفع البعض للبحث، لتأكيد وجهة نظر مسبقة، أو محاولة الفهم والمعرفة، وقد أدت تصريحات يوسف زيدان عن صلاح الدين الأيوبى إلى زيادة عمليات البحث فى جوجل حول صلاح الدين الأيوبى والأيوبيين، قد يرى البعض أن يوسف زيدان يبحث عن فرقعة، لكن هذه الفرقعة هى ما جذب الآخرين للنقاش.
الكثير من الآراء الخلافية موجودة فى كتب التاريخ وفى أفلام وثائقية، لكنها تأخذ اتجاها تعاركيا، عندما تطرح لأفراد لا وقت لدى كل منهم للتعمق، وغالبا ما تدور المعركة وتنتهى خلال يومين أو أسبوع على الأكثر وننتقل لأخرى، ويبدو لافتا أن تقوم معركة على أحداث مر عليها عشرات القرون وكأنها تدور اليوم، فما بالنا بأحداث دارت قبل عشرات السنين، هل الأفضل أن يقتصر النقاش على الكتب أم يخرج الأمر للعلن.
الناصر صلاح الدين الأيوبى «1138 - 1193م»، أسس الدولة الأيوبية ووحد مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن تحت الراية العباسية، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التى استمرت 262 سنة، لعب صلاح الدين دورا مهما فى الصراعات السياسية الإقليمية فى عصره، وكانت مصر مهمة دينيا واستراتيجيا، وقبله أدرك الفاطميون أهمية مصر لإقامة دولتهم.
ويرى الباحث خالد منصور فى دراسة مهمة نشرت فى جريدة القاهرة العام الماضى، أن صلاح الدين «تبادل ومنافسوه من ورثة نور الدين زنكى والفرنجة والبيزنطين التحالفات، وكان يحرز نجاحات عسكرية وسياسية مغيرا تحالفاته بما يناسب خططه، كان رجل سياسة بامتياز، استعمل الكياسة والرحمة فى محلها، والقسوة والشدة عندما تطلبتها مقتضيات عصره»، وبالتالى فإن صلاح الدين «لم يترفع عن مكائد السياسة وتحالف مع الفرنجة ضد منافسيه من أمراء الشام أحيانا، ومع إمبراطور بيزنطة أندرونيقوس كومنين ليقضى على أى تحالف محتمل له مع بيت آل زنكى أو مع الأمراء الصليبيين ضده».
هذا عن تاريخ قبل أكثر من 800 عام، والأزمة تأتى من طريقة مشجعى الكرة، أبيض أو أسود، وبعضها يحاكم عصورا سابقة بقوانين العصر، بينما لا يمكن اختصار أحداث وتواريخ فى جدل متعجل، خاصة أنها أحداث انتهت ولم يعد لها تأثير، ولا يمكن استعادتها أو تكرارها، صلاح الدين بقوانين عصره قائد عسكرى وسياسى داهية، وحد البلاد العربية وواجه الضعف والتفكك الذى أصابها، وعرضها للتهديد الخارجى، كان صاحب مناورات مع حلفائه قبل الفاطميين، انتزع الحكم، ولو لم يفعل لكان غيره فعل.
قام بكل هذا ورحل فقيرا فى عمر الـ55 عاما، لكنه لم يؤسس لما بعد حكمه، نشب صراع بين أبنائه وأشقائه، ومع الوقت ضعفت الدولة وتفككت تحت الحكم المملوكى وغيره، انتهت دولة الأيوبيين من قرون وتلتها إمبراطوريات ودول، لايمكن استعادتها أو تكرارها، فقط للعبرة أو المعرفة.