كل يوم تثبت الدولة المصرية ارتباطها بالعمق الأفريقى، وأنها فى كل تحركاتها الداخلية والخارجية تضع نصب أعينها أشقاءها الأفارقة، ومشاغلهم، سواء المتعلقة بقضايا التنمية، أو المرتبطة بأوضاعهم الاقتصادية والسياسية أيضًا، فمصر تدرك أن العلاقة القوية مع أفريقيا لم تعد رفاهية، وإنما أصبحت فرض عين، ولا يمكن أبدًا التراجع عن هذا الهدف، مهما كانت الأسباب والمبررات.
منذ 2013 ونحن نشهد تحركات مصرية محسوبة تجاه أشقائها فى القارة السمراء، كان من نتاجها أن عادت مصر سريعًا إلى عضوية الاتحاد الأفريقى بعد تجميدها لعدة أشهر بعد ثورة 30 يونيو، ولم تكتف مصر بالعودة، وإنما حصلت على ثقة الدول الأفريقية، الذين منحوا مصر عضوية مجلس الأمن الدولى لعامين، وكذلك عضوية مجلس السلم والأمن الأفريقى، وحضورًا قويًا فى كل أروقة وأنشطة ولجان الاتحاد الأفريقى، ولا ننسى المعركة الأخيرة التى دارت رحاها فى أروقة الاتحاد الأفريقى لكرة القدم «كاف»، بين مصر والرئيس السابق للكاف عيسى حياتو، الذى أخذ على عاتقه معاقبة مصر لأنها كشفت فساده المالى والإدارى فى الكاف، فقرر أن تكون اجتماعات الاتحاد فى أديس أبابا هى بداية العقاب للقاهرة، لكنه لم يدرك حقيقة مهمة، وهى أن مصر أكبر منه ومن شبكة علاقاته حتى وإن نسج خيوط هذه الشبكة بالفساد، فانتهت اجتماعات أديس إلى الإطاحة بحياتو نفسه، عقابًا له على محاولة التفكير فى عقاب مصر.
كل ذلك حدث ولا يزال يحدث لأن القاهرة غيرت طريقة تعاطيها مع العمق الأفريقى، وشهدنا رئيس مصر الرئيس عبد الفتاح السيسى فى زيارات متعددة للدول الأفريقية، مشاركًا فى كل القمم الأفريقية، كما حل على القاهرة العديد من قادة أفريقيا، سواء فى زيارات رسمية أو أخرى جمعت بين العمل والاستجمام والراحة فى المنتجعات السياحية المصرية، واختار الأفارقة مصر لتكون متحدثة باسمهم فى العديد من المحافل الدولية، منها رئاسة المجموعة الأفريقية المعنية بموضوع تغير المناخ.
ومن يتابع الأخبار المنشورة فى الصحف المصرية يومى الأربعاء والخميس الماضيين، سيستطيع أن يحدد المكانة، التى تحظى بها أفريقيا فى عقل الإدارة المصرية، فخلال اليومين استقبل الرئيس السيسى والسيدة قرينته، الرئيس الكينى أوهورو كينياتا وقرينته، ودار بين الرئيسين نقاش طويل ومعمق حول القضايا التى كانت محور زيارة الرئيس السيسى للعاصمة الكينية، نيروبى، فى فبراير الماضى، ومنها الاتفاق على أهمية عقد اجتماعات الدورة السابعة للجنة المشتركة، برئاسة وزيرى الخارجية، خلال هذا العام، بالإضافة إلى مناقشة شواغل البلدان، خاصة تطورات الأوضاع فى الصومال، فكان لقاء القاهرة فرصة ليحدث تلاقى بين أفكار البلدان حول الوضع الصومالى، خاصة أن هذا اللقاء جاء قبل يومين من مشاركة الرئيس الكينى فى مؤتمر نظمته المملكة المتحدة والصومال والأمم المتحدة بلندن، لوضع أسس التعاون بين المجتمع الدولى والصومال فى الفترة القادمة لاستيفاء استحقاقاته الدستورية وصولًا إلى إجراء انتخابات عامة، وبناء المؤسسات الأمنية والجيش الصومالى ليضطلع بمهامه فى مكافحة الإرهاب، وهو المؤتمر الذى شارك فيه المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء ممثلًا عن مصر.
وحينما كانت القاهرة تستقبل رئيس كينيا، كان وزير خارجية مصر، سامح شكرى، فى مهمة دبلوماسية هامة فى غرب أفريقيا، وتحديدًا فى غانا، للقاء الرئيس الغانى «نانا أكوفو أدو»، معيدًا فى الوقت نفسه تذكير البلدان بالعلاقات التاريخية بين مصر وغانا، وكذلك علاقة الصداقة التى جمعت بين الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وكوامى نكروما خلال حقبة التحرر الوطنى، التى ساندت مصر فيها الأشقاء الأفارقة وعلى رأسها غانا، وهى العلاقة التى تخطت الإطار الرسمى، وامتدت إلى علاقة المصاهرة من خلال زواج الزعيم الغانى كوامى نكروما من السيدة المصرية فتحية رزق، التى أصبحت أول سيدة أولى فى غانا.
زيارة غانا كانت مهمة، خاصة فى إطار الرغبة المصرية فى تحقيق ترابط بين الدول الأفريقية خاصة فى مواجهة داء الإرهاب، وكلنا ندرك أن منطقة غرب أفريقيا تعانى من إرهاب بوكو حرام، وهناك جهد يبذل فى هذا الاتجاه تتابعه مصر بشكل جيد، لأنها تؤمن بأن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون فى إطار جهد دولى شامل وليس دولة أو منطقة معينة، لذلك تطرح القاهرة دومًا فكرة تلاقى الأفكار والمقترحات بين كل الدول المعنية بقضية الإرهاب، للوصول إلى حلول مشتركة وجذرية تقتلع الإرهاب، وتعتمد أساسًا عل ملاحقة ممولى الإرهاب وداعميه فى كل دول العالم.
كما أن مصر مهتمة بالعلاقات مع غانا، خاصة فى اتجاه تبادل الخبرات وبناء القدرات الغانية، من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية، فبالأرقام، حصلت غانا على 145 منحة تدريبية من خلال الوكالة منذ 2015، إضافة إلى المنح السنوية المقدمة من الأزهر الشريف والجامعات المصرية الأخرى، كما أن الاستثمارات المصرية فى غانا، تخطت رقم المليار دولار أمريكى، وهناك حرص من المستثمرين المصريين على زيادتها مستقبلا، للاستفادة من المناخ الجاذب للاستثمار هناك.
وبعيدًا عن العلاقة مع غانا وكينيا، فإن العلاقة مع أفريقيا أخذت نهاية الأسبوع الماضى بعدًا آخر، حينما احتفلت قواتنا المسلحة بتخرج 10 دورات دارسية لكوادر الدارسين الوافدين من 33 دولة أفريقية بعد أن أتموا دوراتهم التدريبية داخل المنشآت والمعاهد التعليمية بالقوات المسلحة المصرية، التى تؤكد دومًا لأشقائنا الأفارقة أنها كانت وستظل ترحب بانضمام كل طالب علم من الدول الشقيقة والصديقة داخل منشآتها ومعاهدها العسكرية، وإعدادهم وتدريبهم وإثراء خبراتهم العسكرية والمدنية، التى تعينهم فى خدمة أوطانهم وقواتهم المسلحة، أخذًا فى الاعتبار عمق علاقات الشراكة والتعاون العسكرى، التى تربط القوات المسلحة المصرية ونظائرها بكل الدول الإفريقية.
ما حدث خلال يومى الأربعاء والخميس الماضيين، يؤكد أن هناك مسارًا إيجابيًا تسير عليه العلاقات المصرية الأفريقية، لكنه بحاجة إلى جهد من جانب القطاع الخاص، كونه الأقدر على اختراق الدول الأفريقية خاصة أن هذه الدول مليئة بالفرص الاستثمارية، التى ستحقق أرباحًا للمستثمرين وللدولة المصرية أيضًا.