يمكن اعتبار اجتماع الأردن التنسيقى، الذى عقد أمس الأول الأحد، بحضور سامح شكرى، وزير الخارجية، ونظيره الأردنى أيمن الصفدى، وصائب عريقات، أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، كبير المفاوضين الفلسطينيين، بأنه الأهم حاليًا، كونه ينسق الجهود والأفكار العربية الخاصة بحل القضية الفلسطينية من الأطراف المعنية بالأزمة، قبل أن تلتئم القمة الإسلامية الأمريكية التى ستعقد فى الرياض نهاية الشهر الجارى، بحضور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
الاجتماع وضع أسسًا لأى تحرك مستقبلى، يأخذ فى الاعتبار الشواغل العربية، والمطالب الفلسطينية المشروعة، ويضع نسقًا عامًا يسير عليه الجميع، بدلًا من الاتجاهات المتعددة التى أثرت على القضية الفلسطينية، أخذًا فى الاعتبار وجود رئيس أمريكى جديد، بما سيؤدى إلى خلق قوة دفع إيجابية للقضية الفلسطينية، يجب العمل على استثمارها، للعمل على استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين، الفلسطينى والإسرائيلى، وصولًا إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، تصون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وفقًا للمرجعيات الدولية ذات الصلة.
ورغم أن مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة لا تزال غير واضحة المعالم، كونها متأرجحة بين التأييد التام لإسرائيل، والتفكير فى مد اليد لحلفاء واشنطن فى المنطقة، لكن إذا تركنا الأمور تدار بمنطق التسليم بأن واشنطن منحازة دومًا لإسرائيل، فإننا لن نتقدم خطوة واحدة للأمام، وهنا يجب أن نشير إلى الزيارات التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، والملك عبدالله الثانى، ملك الأردن، والرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى واشنطن مؤخرًا، والتى أسهمت فى نقل الرؤية والشواغل العربية والفلسطينية المتعلقة بمستقبل عملية السلام إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، وفى الوقت نفسه وضعت «ترامب» وإدارته فى الصورة الكاملة للوضع العربى بشكل عام.
وأعتقد أن هذه الزيارات أثرت بشكل إيجابى فى التفكير الأمريكى، وأن الفترة المقبلة بحاجة إلى تحركات مكثفة مثيلة لهذه التحركات، خاصة أن «ترامب» أعلن أخيرًا التزامه بحل الصراع وتحقيق السلام، لكن هذا الإعلان ليس نهاية المطاف، لأنه بحاجة إلى جهود عربية مكثفة لتحويل هذا الالتزام القولى إلى فعل على الأرض.
ولا ننسى أن الاجتماع يأتى بعد أيام قليلة من التغيير الذى طرأ على هيكل حركة «حماس»، بتصعيد إسماعيل هنية لرئاسة المكتب السياسى للحركة، خلفًا لخالد مشعل، ورغم أنها تغيرات شكلية، لكنها ستحدث فروقاً جوهرية فى المستقبل، تتطلب أن يكون هناك ترتيب للأفكار من جانب الدول المعنية، فكلنا مدركون أن «حماس» طرف فاعل وقوى فى الداخل الفلسطينى، وأنها فى الوقت نفسه تحاول أن توجد لنفسها مكانًا فى أى ترتيبات مستقبلية، خاصة بفلسطين، وهذا حق لها، لكن على الأسس المعتمدة عربيًا وفلسطينيًا، وبناء على ما تم التوافق عليه داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر مهم يجب أن تدركه «حماس» جيدًا، وربما يكون اجتماع عمان رسالة مهمة لقادة «حماس» الجدد إذا أرادوا الانخراط فى أى تحركات مستقبلية خاصة بحل القضية.
أهمية اجتماع عمان من وجهة نظرى أنه أكد للعالم مجددًا التزامنا بأن تحقيق السلام هو خيار العرب الاستراتيجى، وأن ما صدر عن قمة عمان العربية، والخاص بإعادة إطلاق مبادرة السلام العربية، يشكل الطرح الأكثر شمولًا لتحقيق مصالحة تاريخية بين جميع الدول العربية وإسرائيل، وأن حل الدولتين الذى يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والتى تعيش بسلام جنبًا إلى جانب دولة إسرائيل، يمثل السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم.
رسائل كثيرة خرج بها اجتماع عمان، لكن المهم أن يتحول هذا الاجتماع إلى استراتيجية مستقبلية، لأن هذه الآلية قادرة على كبح جماح مراهقى السياسة فى المنطقة.