هل نحن جادون فى محاربة الإرهاب والفكر المتطرف؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فكيف تترك الدولة أحزاب وتنظيمات ما يطلق عليها اصطلاحا «دعم شرعية الإخوان» مثل البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، وحزب الوطن الظهير السياسى للسلفيين المتشددين، وحزب الوسط، الواجهة الرسمية لجماعة الإخوان الإرهابية، وحزب مصر القوية، الباب الخلفى لمكتب الإرشاد، تعمل وتتحرك بكل أريحية فى الشارع!
حزب الجماعة الإسلامية يجرى انتخابات من القاعدة إلى القمة، استغرقت أكثر من شهر، وانتهت يوم السبت الماضى، بدأها بانتخاب أمناء المراكز، ثم أمناء المحافظات، ثم دعا لعقد المؤتمر العام، لاختيار رئيس حزب الجماعة «البناء والتنمية»، وأعضاء الهيئة العليا، وذلك فى مقره الرئيسى بالجيزة، وتحديدا شارع «قرة بن شريك المتفرع من شارع مراد»، أى على بعد خطوات قليلة من مديرية أمن الجيزة .
وشهدت الانتخابات، العجب العجاب، حيث ترشح على مقعد زعيم الجماعة، المتدثر بعباءة رئيس حزب البناء والتنمية، ثلاثة من قيادات الجماعة وهم، طارق الزمر الهارب فى قطر، وجمال سمك، وصلاح رجب.
وكانت كل المؤشرات التى سبقت الانتخابات، تصب فى مصلحة أن حزب الجماعة الاسلامية بدأ فى تغيير جلده السياسى، وتوجهاته الفكرية، باعثا برسائل هنا وهناك عن اقتناعه بإقرارت التوبة، وتوزيع صكوك الغفران على أعضائه، لذلك جهزوا مفاجآت فى عملية اختيار رئيس الحزب.
وأجريت الانتخابات السبت الماضى وبمشاركة أحد القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية، عبود الزمر، وعدد كبير من رفاقه المؤسسين القدامى، وكانت المفاجأة، فوز طارق الزمر، الهارب فى قطر، برئاسة الحزب، وزعامة الجماعة الداعمة للإخوان.
المفاجأة ألجمت المراهنين على نجاح إقرارات التوبة، والمراجعات الفكرية بين صفوف أحزاب وتنظيمات الداعمة للإخوان، وتأكد بما لا يدع مجالا لأى شك، أن الجماعة الإسلامية وحزبها السياسى يسيران عن قناعة، وبقوة فى طريق التطرّف والتكفير، ودعم جماعة إرهابية، ترى فيها الشرعية لحكم مصر.
اختيار طارق الزمر لرئاسة حزب البناء والتنمية فى كل مراكز ومحافظات مصر، ثم عقد المؤتمر العام فى قلب الجيزة، وعلى بعد خطوات من مديرية الأمن، إنما يمثل خديعة كبرى للمعنيين الذين بحثوا واقتنعوا أن «ديل الكلب ممكن يتعدل»، فتغاضت عن الترتيبات لإجراء الانتخابات، وكان رد الجميل السريع والمدهش، اختيار طارق الزمر الذى يعمل ليل نهار على إشعال حرائق التكفير والتفجير وقتل الأبرياء من أبناء الجيش والشرطة، والمدنيين أيضا.
ومن قلب الجيزة إلى منطقة المقطم، يا قلبى لا تحزن، حيث فوجئنا بحزب الوسط، أحد أبرز حلفاء الإخوان، والمتزوج منها زواجا كاثوليكيا بالجماعة الإرهابية، يعقد أمس الأول الأحد، مؤتمرا صحفيا، دعا فيه كل وسائل الإعلام، مطالبا وبجرأة وغلظ عين يحسدان عليهما، الإفراج عن عصام سلطان.
نعم، نكررها على مسامعك، ونضعها أمام عيناك، مرة أخرى، ربما لم تستوعب للوهلة الأولى، أن حزب الوسط عقد مؤتمرا صحفيا صباح الأحد يطالب فيه الإفراج عن عصام سلطان، أحد أبرز الأبواق المدافعة عن جماعة الإخوان الإرهابية الذى استخرج من مخزون تطرفه، سيلا من التهديد والوعيد لشرفاء هذا الوطن، بالويل والثبور وعظائم الأمور.
ما هذا الهراء يا حكومة! وأين مجلس النواب من ترك الساحة على البحرى للأحزاب التكفيرية الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية التى يصل عددها إلى 11 حزبا، تتحرك بأريحية، وتختار طارق الزمر رئيسا لحزب، بطريقة قانونية وشرعية، وتترك حزب عبدالمنعم أبوالفتوح، ليكون بابا خلفيا لمكتب الإرشاد، وضم بين صفوفه معظم أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية ليمنحهم قبلة الحياة من جديد، وحزب النور يسيطر عليه رجال المكفر الأعظم ياسر برهامى، وحزب الوطن الذى يسيطر عليه أتباع حازم صلاح أبوإسماعيل، إلى آخر الأحزاب الحادى عشرة، دون إيجاد تشريعات تعطى الحق للحكومة فى تجميد وحل هذه الأحزاب فورا؟
الشعب يغلى، ورجال القوات المسلحة، ومن خلفهم الشرطة المدنية، يخوضون حربا ضروس ضد الإرهاب، ويدفعون الثمن غاليا من أرواحهم، ومستقبل أسرهم، ومجلس النواب الموقر، والحكومة يعلنان الحرب على الإرهاب «بالنوايا»، وبيانات الشجب والاستهجان، ولم يتحرك أحدهما ليشرع قوانين تمنع هذا العبث التاريخى الذى تمارسه الجماعات المتطرفة وعلى عينك يا تاجر.
النوايا يا سادة لا تغير منكرا، ولكن الفعل على الأرض الكفيل الوحيد للتغيير، والحكومة تحارب الإرهاب فى مصر بالنوايا، والجماعات الإرهابية تشرعن أعمالها فى مقرات 11 حزبا رسميا وباعتراف الدولة، فهل هناك تناقض خطير بين الأفعال والأقوال، مثلما نسمع ونشاهد، فى هذه المسرحية الهزلية البلهاء؟!
الوضع خطير ونبهنا كثيرا من كوارث وجود أحزاب دينية تشرعن جرائم الجماعات المتطرفة فى مصر، وتمنح مساحة كبيرة من تحرك المتطرفين بأريحية فى الشارع، ولكن من يسمع، ومن يستجيب، فالجميع يركب قطار العنت، ويسيرون عكس اتجاه المنطق، والعقل.
ولك الله يا مصر...!!!