«أى قوة فى العالم تلك التى تمنعك من كتابة جملة من ست كلمات فى صفحتك؟!».. إذا ما تأملت هذا السؤال الذى طرحه «على نجيب» على نفسه وعرفت الحالة النفسية التى كان يمر بها بسبب هزيمته وعدم قدرته على نشر «تعليق» على صفحته، لأدركت «كلمة السر» فى رواية حارس الفيس بوك الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية للكاتب القاص والروائى شريف صالح.
إنها القيامة تعلن عن نفسها بكل ما فيها من ارتباك وعشوائية وتصرفات هوجاء وعاقلة ومحاسبة للنفس، لكن شريف صالح يقول لنا بأنها قيامة افتراضية تسبب فيها عطل فنى لموقع التواصل الاجتماعى الأشهر «فيس بوك».. لكن رأيى أن الأمر أكبر من ذلك، وأن شريف صالح يعرف ذلك.
بعد أن انتهيت من قراءة الرواية، تشكلت فى داخلى خريطة كاملة لمفاهيم الرواية، واعتبرتها كتابة موازية ليوم القيامة الحقيقى، واعتبرت أن ما يكتبه شريف صالح فى الرواية أكثر مما يبدو، نعم هو يصور «قيامة افتراضية» لكنه وضعنا بكل يسر على لحظات «البعث والحشر والحساب والجزاء» حسبما نتصوره عن النهايات.
لجأ شريف صالح إلى حيلة كتابية بديعة ومرهقة فى الوقت نفسه، لا يَقدم عليها سوى أولو العزم من الكتاب والمبدعين، وهو منهم، فقد بدأ الكتابة من النهاية ثم بدأ يعود بنا جزءًا جزءًا وتفصيلة تفصيلة إلى النقطة صفر.
والنقطة صفر هى الساعة التاسعة مساء، عندما أعلن «فيس بوك» تمرده، وانفجر فى لحظة مفاجئة معلنًا «الفضيحة الكبرى» تعليقات وجمل وعلاقات سرية يقرأها الجميع، إنه «البعث» فقد خرجنا من «قبورنا» التى هى «صفحاتنا» غير مصدقين أن إله الفيس بوك «مارك زوكربرج» يفعل بنا ذلك لكنه فعلها وفضحنا جميعًا وصرنا عراة أمام أنفسنا.
ثم جاءت مرحلة «الحشر والحساب» ووجدنا «هدى وعبد الرحمن ومهلبية وزيزو وعلى نجيب ومنال وديفيد وأحمد علوى» يحاسبون الآن على تصرفاتهم المعلنة والسرية، يتكشفون أمام أنفسهم وأمام الآخرين، يندمون أكثر مما يفرحون، الجميع ارتكب حماقات، وها هى تخرج فى كتاب منشور أمام الجميع، البعض يتأمل ما يحدث مثل «على نجيب» والبعض الآخر لا ينتبه مثل «زيزو»، وقد أبدع شريف صالح فى مرحلة «الحساب» فى كشف دواخل النفس الإنسانية وتعدد مصادر تشكيلها واصطياد لحظات التأثير العظيم لوسائل التواصل الاجتماعى التى هى بمثابة شيطان أعمالنا الذى يدفعنا لارتكاب الحماقات الكبرى.
وفى النهاية تأتى مرحلة «الجزاء» والتى آثر شريف صالح أن يبدأ بها كتابته، فعبد الرحمن فى مأزق وعلى نجيب يعانى، وهدى حائرة، وزيزو أصابه عقاب ظريف بالتقائه بـ صوفى هوارد.
نعم تدور الرواية فى وقت زمنى 12 ساعة/ نصف يوم بالتمام والكمال، لكن قارئ الرواية يظنها سنوات طويلة، ففيها مصائر وأعمار وحكايات وسفر وتوتر وقلق وخوف وإخفاق ورغبة فى الحياة وانتظار للموت.