عندما تسمع أو تقرأ كلمة مثقف سوف تكون صورة الدكتور شريف حتاتة أول ما يتبادر إلى الذهن، المثقف الذى لا يتوقف عند أفكار جامدة، ولا عند الماضى لا يتردد فى انتقاد أفكاره ومشروعاته ومسيرته، ثم إنه مستعد دائما للاستماع إلى من هم أصغر منه، ومن يختلفون معه، يطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات جاهزة، ومن لم يقرأ كتابات الدكتور شريف حتاتة يفوته الكثير، فهو لا يكف عن التفكير والمراجعة والانتقاد لأفكاره والمكان الذى يقف فيه، فى كل رواية أو كتاب هناك مركز إشعاع وجدل، كل هذا دون أن يتراجع عن إيمانه بالإنسان والتقدم وقيم العدالة والتسامح وتقبل المختلفين معه.
فى بداية الثمانينيات تعرفت أكثر على الراحل، وهو من قرية القضابة التابعة لمركز بسيون، قرية فى حضن النيل، كان الدكتور شريف يكرر زياراته لمنزله بالقضابة على نيل فرع رشيد، لمتابعة حسابات الأرض. وبالرغم من أنه من كبار الملاك، اختار اليسار، وانضم شريف حتاتة إلى «حدتو» الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى وسجن فى الأربعينيات وفى الستينيات، وهو من بين أبناء كبار الملاك الذين انضموا لليسار وانحازوا للعدالة والناس، فى الأربعينيات من القرن العشرين، ومثله كان أحمد نبيل الهلالى، ومحمد سيد أحمد، وكانت لهم انحيازاتهم نحو الاشتراكية على العكس من مصالح طبقتهم.
كنا شبابا نشارك فى أنشطة ثقافية وسياسية بحزب العمل والتجمع، وسعى صديقنا الراحل فتحى الحفناوى وهو من قيادات اليسار بمحافظة الغربية، لترتيب لقاءات مع الدكتور شريف، وكان يبدى سعادة باستقبال الشباب فى منزله بالقضابة، أو الذهاب إليهم فى مقر حزب أو حتى على مقهى.
كان الدكتور شريف يستمع للشباب وإلى أسئلتهم أيا كانت، ويحاول نقل النقاش دائما إلى مراحل الوعى، متحدثا أو شارحا بهدوء. وكانت ابتسامته قادرة على عبور أى فجوة عمرية أو فكرية، مع ابتسامة لا تفارقه، ابتسامة حقيقية لمفكر ومثقف موسوعى وحقيقى وليست ابتسامة تكلف أو ادعاء، فقد كان مثقفا عابرا للأجيال قادرا على تفهم الشباب والاستماع إليهم، وفى كل لحظة واضح متواضع عميق بلا ادعاء، ويظهر هذا كله فى كتاباته، الأدبية من روايات وقصص التى تمثل فى مجملها واحدة من أكثر الشهادات اكتمالا عن الواقع السياسى والفكرى، كانت روايته «العين ذات الجفن المعدنى» كشفا لعالم السجن فى سياق فردى إنسانى، وعلاقات العالم الممتدة من خارج السجن لداخله.
وعندما صدرت «النوافذ المفتوحة» فى التسعينيات، كانت جديدة فى الأدب العربى، تقدم واحدة من أهم الشهادات والأفكار والمراجعات، بما فيها الخاص، والعام، لكنها مع غيرها من أعمال شريف حتاتة تعبر عن مثقف نبيل يمثل رحيله خسارة، وتمثل أعماله كنزا.