النتيجة المنطقية المستخلصة من تصريحات تميم بن حمد، أمير قطر، التى أحدثت غضباً خليجيا وعربياً على قطر وأميرها، أن الإمارة المارقة انقطعت صلتها مع محيطها الخليجى وحضنها العربى، لأنها أكدت كل الاتهامات الموجهة لقطر وحكامها منذ عدة سنوات، الاتهامات المنصبة على التدخلات القطرية فى الشؤون الداخلية للدول العربية، وعلى رأسها دول الخليج، دون أن تراعى قطر حق الأخوة والجيرة.
قطر التى ترعرع حكامها على الانقلابات الدموية والناعمة، كانت ولا تزال الخنجر المسموم الذى تستخدمه قوى خارجية معادية للعرب ليطعنوا به الدول العربية فى ظهورهم، مرة باستخدام قناة الجزيرة بخطابها الإعلامى السيئ للجميع، والمؤجج للفتن وإثارة النعرات والخلافات داخل الدول العربية، دون استثناء، حتى الدول الخليجية المنطوية جميعاً تحت مظلة «مجلس التعاون الخليجى»، لم تسلم من خنجر الجزيرة، حدث ذلك فى البحرين حينما دعمت القناة القطرية ذات التوجهات الصهيونية المعارضة الشيعية لكى تواصل تحركاتها العدائية ضد الملك والحكومة البحرينية، حيث وفرت لهم القناة منبراً دائماً يوجهون من خلاله الاتهامات الباطلة والزائفة ضد الحكومة والدستور البحرينى.
حدث ذلك فى السعودية، بتأجيج الفتن، وكذلك فى الإمارات حينما دعمت القناة القطرية أنصار جماعة الإخوان الإرهابية، وحدث أيضاً فى الكويت، الدولة التى دائماً ما تختار سياسة تقوم على الود وعدم التصعيد، لكن قطر كان لها رأى آخر فى تناولها الإعلامى لما يحدث من حراك ديمقراطى تشهده الكويت.
دول الخليج كانت أول المستهدفين من سياسات قطر العدائية، ولم تتعظ من العقاب الخليجى لها قبل ثلاثة أعوام وتحديداً فى مارس 2014 حينما قررت السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائهم من قطر، بعد فشل كل الجهود التى بذلت حينها فى إقناع قطر بضرورة الالتزام بالمبادئ التى تكفل عدم التدخل فى الشؤون الداخلية لأى من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواءً عن طريق العمل الأمنى المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسى وعدم دعم الإعلام المعادى، حيث أكدت الدول الثلاثة فى بيانها وقتها، حرصها على مصالح كل شعوب دول المجلس، بما فى ذلك الشعب القطرى، وأعربت عن أملها فى أن تسارع قطر إلى اتخاذ الخطوات الفورية للاستجابة لما سبق الاتفاق عليه، ولحماية مسيرة دول المجلس من أى تصدع، الذى تعقد عليه شعوبها آمالاً كبيرة.
بالعودة إلى بيان سحب السفراء الثلاثة من قطر، نستطيع أن نستطلع ما يمكن أن يحدث مستقبلاً فى العلاقات القطرية الخليجية، فهذا البيان كان كاشفا للممارسات القطرية العدائية، وفى نفس الوقت محدد لما يمكن أن يلجأ له قادة الخليج من عقاب فى مواجهة الإمارة المارقة، فالبيان قال إنه رغم توقيع أمير قطر، على الاتفاق المبرم على إثر الاجتماع الذى عقد فى الرياض بتاريخ 23 نوفمبر 2013م بحضور الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، والذى وقعه وأيده جميع قادة دول المجلس، لكن لم يلتزم أمير قطر بما تم الاتفاق عليه، وبعدها وتحديداً فى اجتماع وزراء خارجية دول المجلس فى الرياض يوم 4 مارس 2014م، والذى تم خلاله بذل محاولات كبيرة لإقناع دولة قطر بأهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع اتفاق الرياض موضع التنفيذ، والموافقة على آلية لمراقبة التنفيذ، إلا أن كل تلك الجهود لم يسفر عنها مع شديد الأسف موافقة دولة قطر على الالتزام بتلك الإجراءات، مما استدعى الدول الثلاثة إلى سحب سفرائهم من الدوحة.
نعم حدثت بعدها وساطات لتنقية الأجواء وعاد السفراء مرة أخرى إلى الدوحة، لكن قطر ظلت كما هى، مثل السوس الذى ينخر فى العظام، ومع ذلك حاولت دول الخليج تلطيف الأجواء، وربما تصديق الأكاذيب القطرية بأنهم لا يتدخلون فى شؤون دولهم الداخلية، رغبة منهم فى لم الشمل الخليجى، لكن للأسف الشديد تمادت قطر فى سياستها العدائية ولم تتعظ من الماضى، بل أنها ظنت نفسها أقوى من الجميع، وربما يكون ذلك هو ما دعا تميم إلى الخروج علناً بتصريحاته المستفزة للجميع، فى الخليج وبقية الدول العربية.
بالنظر إلى الماضى وما حدث بعد ذلك يمكن القول إن العلاقات بين الدوحة وبقية دول الخليج وصلت إلى ما يشبه القطيعة، خاصة بعد الهجوم الإعلامى القطرى على دول الخليج، ظنا منهم أن هجومهم الإعلامى سيخيف السعودية والإمارات والبحرين، ويجعلهم يفكرون قبل اتخاذ أى خطوة ضد قطر، وهو تفكير أن دل على شىء فإنما يدل على الغباء الذى وصل إليه تفكير حاكم قطر ومن يعاونوه، لأنهم ظنوا أنفسهم أكبر من الجميع، وأنهم لايزالون يملكون قواعد اللعبة، ونسوا أو تناسوا أن آلاتهم الإعلامية المسماة بقناة الجزيرة فقدت مكانتها فى الشارع العربى، وأصبحت مرفوضة فى البيوت العربية، ولم يعد لها أى تأثير، لدرجة أنها وقفت مكتوفة الأيدى أمام الأزمة الأخيرة، ولم تستطع حتى مجرد الدفاع عن تميم، ولا الترويج لأكذوبة اختراق وكالة الأنباء القطرية، اللعبة التى حاول القطريون أن يبرروا بها خروج تصريحات تميم للعلن.
النتيجة النهائية أن تصريحات تميم تسببت فى قطيعة من الجميع لقطر، ولم يبقِ لهذه الإمارة المارقة وأميرها سوى مجموعة ضالة لا تؤمن إلا بمبدأ واحد فقط وهو الدولار، وهى مجموعة عديمة التأثير والقوة أيضاً، حتى إن كان بينهم ميليشيات مسلحة منتشرة فى عدد من الدول العربية، لكنها تبقى منبوذة، واقتران اسمها أو وجودها بقطر هو أكبر دليل على فشل هذه الإمارة التى طالما تغذت على دماء الأبرياء التى تراق على يد الإرهاب الممول من قطر وأميرها.