الدولة الرشيدة هى صمام أمان للتدين الرشيد، والعلاقة بين الدين والدولة ليست علاقة عداء ولن تكون، إن تدينًا رشيدًا صحيحًا واعيًا وسطيًّا يسهم وبقوة فى بناء واستقرار دولة عصرية ديمقراطية حديثة تقوم على أسس وطنية راسخة وكاملة، وإن دولة رشيدة لا يمكن أن تصطدم بالفطرة الإنسانية التى تبحث عن الإيمان الرشيد الصحيح، على أننا ينبغى أن نفرّق وبوضوح شديد بين التدين والتطرف، فالتدين الرشيد يدفع صاحبه إلى التسامح، إلى الرحمة، إلى الصدق، إلى مكارم الأخلاق، إلى التعايش السلمى مع الذات والآخر، وهو ما ندعمه جميعًا، أما التطرف والإرهاب الذى يدعو إلى الفساد والإفساد، والتخريب والدمار، والهدم واستباحة الدماء والأموال، فهو الداء العضال الذى يجب أن نقاومه جميعًا وأن نقف له بالمرصاد، وأن نعمل بكل ما أوتينا من قوة للقضاء عليه حتى نجتثه من جذوره.
وفى هذه المعادلة غير الصعبة يجب أن نفرق بين الدين الذى هو حق، والفكر الإرهابى المنحرف الذى هو باطل، موقنين أن الصراع بين الحق والباطل قائم ومستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، على أن النصر للحق طال الزمن أو قصر، حيث يقول الحق سبحانه: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا َتصِفُونَ» «الأنبياء: 18». إن مثل الحق والباطل كمثل الكلمة الطيبة التى هى حق، والكلمة الخبيثة التى هى باطل: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ» «إبراهيم: 24-26».
على أن النصر لا محالة للحق ولأهله، حيث يقول الحق سبحانه: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ» «الصافات: 171-173»، ويقول سبحانه: «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» «محمد :7»، ويقول سبحانه: «وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» «الروم :47».
إننا لأصحاب قضية عادلة، قضية دين، وقضية وطن، فكل ما يدعو للبناء والتعمير، والعمل والإنتاج، وسعادة الناس وتحقيق أمنهم واستقرارهم، لهو الدين الحق والإنسانية الحقيقية، وكل ما يدعو للفساد والإفساد، والتخريب والقتل، يدعو إلى ما يخالف الأديان وسائر القيم النبيلة والفطرة الإنسانية القويمة.
الدين والدولة لا يتناقضان، الدين والدولة يرسخان معًا أسس المواطنة المتكافئة فى الحقوق والواجبات، وأن نعمل معًا لخير بلدنا وخير الناس أجمعين، أن نحب الخير لغيرنا كما نحبه لأنسنا، الأديان رحمة، الأديان سماحة، الأديان إنسانية، الأديان عطاء.
الدين والدولة يتطلبان منا جميعًا التكافل المجتمعى، وأن لا يكون بيننا جائع ولا محروم ولا عارٍ ولا مشرد ولا محتاج.
الدين والدولة يدفعان إلى العمل والإنتاج، والتميز والإتقان، ويطاردان البطالة والكسل، والإرهاب والإهمال، والفساد والإفساد، والتدمير والتخريب، وإثارة القلاقل والفتن، والعمالة والخيانة.
وختامًا نؤكد أن من يتوهمون صراعًا لا يجب أن يكون بين الدين والدولة ويرونه صراعًا محتًما إما أنهم لا يفهمون الأديان فهما صحيحًا أو لا يعون مفهوم الدولة وعيًا تامًا، فالخلل لا علاقة له بالدين الصحيح ولا بالدولة الرشيدة، إنما ينشأ الخلل من سوء الفهم لطبيعة الدين أو لطبيعة الدولة أو لطبيعتهما معًا.
غير أننا نؤكد على ضرورة احترام دستور الدولة وقوانينها، وإعلاء دولة القانون، وألا تنشأ فى الدول سلطات موازية لسلطة الدولة أيا كان مصدر هذه السلطات، فهو لواء واحد تنضوى تحته وفى ظله كل الألوية الأخرى، أما أن تحمل كل مؤسسة أو جماعة أو جهة لواء موازيًا للواء الدولة فهذا خطر داهم لا يستقيم معه لا أمر الدين ولا أمر الدولة.