ما بين السودان ومصر علاقة أكبر من أى زوبعة تثيرها تصريحات يقولها الرئيس السودانى عمر البشير، يرمى فيها مصر باتهامات لا تستقيم مع المنطق، وقام الرئيس السيسى بنفيها جملة وتفصيلا.
والمعروف أن العلاقة التى تجمع مصر والسودان، تتداخل فيها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وشعبية، بدرجة لا يمكن معها تخيل العداء مهما ذهبت خلافات القيادات بين البلدين إلى أى درجة.
صحيح أننا نعيش فى ظل تراجع الهم القومى العربى الواحد، فلم تعد هناك قضية عربية واحدة جامعة، ولم يعد هناك هم سياسى واقتصادى واحد تسعى الدول العربية إلى إنجازه مجتمعة، وأصبحنا نعيش فى ظل المصالح التى يسعى كل بلد عربى تحقيقها لنفسه وقد تتعارض مصالح بلد مع بلد آخر، غير أنه يبقى بين الدول العربية المتشاركة حدوديا تحدى العيش وفقا لحقائق تفرضها علاقة الجوار ولا بديل عن احترامها، وتعد العلاقة بين مصر والسودان نموذجا لذلك، يزيد منها مياه النيل التى تربط مصير البلدين فى مسار لا يستقيم معه وجود خلافات تخرج عن حيزها الطبيعى.
فى حقائق التاريخ هناك الكثير مما يقال حول ما يجمع بين مصر والسودان، وفى حقائق الجغرافيا لا يمكن لأحد أن يقفز على مسألة هم الأمن القومى المشترك، وفى حقائق الحياة تشهد شوارع القاهرة على ما يجمع السودانيون والمصريون من علاقات فيها مصاهرة وقرابة وعمل ودراسة وكل ما يؤكد على أن ما بين الشعبين المصرى والسودانى مصير مشترك وهم واحد وتآخى بلا حواجز، وفى يقينى أن كل هذا هو الذى يقوى ويحصن العلاقات بين البلدين، ويقف بالخلافات السياسية بينهما عند سقف معين لا يتم تجاوزه، ومن السهل ذكر عشرات الأمثلة التى تؤكد على ذلك منذ ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، وبعد الثورة أثناء حكم الرئيس جمال عبدالناصر، ثم حكم الرئيس السادات، ثم حكم الرئيس مبارك، فالمرحلة التالية لثورة 25 يناير.
صحيح أن هناك وقائع تاريخية ليست طبية الذكر فى العلاقات بين البلدين، لكن أهم ما فى هذه الوقائع هو القدرة على تجاوزها للدخول إلى المستقبل ببشائره المشرقة وعدم الارتكان إلى الماضى ببعض وقائعه المحزنة.
فى هذا السياق التاريخى والسياسى للعلاقات المصرية السودانية لابد من الوقوف أمام المؤثرات الخارجية التى تؤثر على هذه العلاقة، فقبل ثورة 1952 كان الاستعمار الإنجليزى حاضرا، وبعد الثورة حضرت أمريكا والغرب فى محاولة لوقف المد الناصرى، أما الآن فنحن نواجه تدخلا خارجيا تقوده قطر لأجل تخريب العلاقة بين البلدين، حيث تمارس ألاعيبها الصغيرة والخبيثة والمدمرة بجر «البشير» إلى سياستها المضادة لمصر التى تعلنها على الملأ وتجند لها الإعلام والأموال، فمن اللافت فى الشهور الماضية أنه كلما تمت زيارة لمسؤول قطرى إلى السودان أعقبها تصريحات غريبة وعدائية من الرئيس البشير ضد مصر، مما يؤدى إلى الشك والريبة فى مقاصدها.
وأخيرا فإن الكلام الذى ذكره البشير حول ضبط مدرعات مصرية فى المعارك الأخيرة بإقليم دارفور، هو كلام ضد المنطق، فمصر لم تكن يوما داعمة لتقسيم السودان لأسباب خاصة بأمنها القومى، وحرب دارفور هى محطة يصنعها المتآمرون من أجل تقسيم السودان، ولأن مصر ضد هذا المخطط قولا وفعلا فهى لا تدعمه بل تقاومه، وبناء على ذلك هى لاتقدم سلاحا إلى من يمزق وحدة السودان.