تواصلت استعدادات السلطان العثمانى محمد الفاتح لاقتحام مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية «راجع ذات يوم 27 مايو»، كانت ساعات قليلة باقية على إطلاق شرارة بدء الاقتحام، قضاها «الفاتح» فى المرور على المواقع العسكرية المختلفة موجها ومذكرا بالإخلاص والتضحية والجهاد، حسب كتاب «السلطان محمد الفاتح- فاتح القسطنطينية» للدكتور محمد مصطفى صفوت «دار الفكر العربي- القاهرة- عام 1948»، وكان علماء المسلمين وشيوخهم يتجولون بين الجنود ويقرأون على الجنود آيات الجهاد والقتال وسورة الأنفال، ويذكر على محمد الصلابى فى كتابه «فاتح القسطنطينية- محمد الفاتح» «دار التوزيع والنشر الإسلامية»، أن هؤلاء المشايخ كانوا يذكرون الجنود بفضل الشهادة فى سبيل الله وبالشهداء السابقين حول القسطنطينية، وعلى رأسهم أيوب الأنصارى ويقولون للجنود: «لقد نزل سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، فى دار أيوب الأنصارى، وقصد أبو أيوب إلى هذه البقعة ونزل هنا، وكان هذا القول يلهب الجند ويبعث فى نفوسهم أشد الحماس»، ويشير «الصلابى» إلى أنه حدثت محاولتان سابقتان لفتح القسطنطينية، واحدة فى عهد معاوية ابن أبى سفيان عام 44 هجرية، والثانية فى عهد سليمان بن عبدالملك عام 98 هجرية، ولم يكتب لهما النجاح، وقصة «أيوب الأنصارى» التى ذكرها الشيوخ للجنود تستند على محاولة الفتح فى عهد معاوية بن أبى سفيان.
عاد «الفاتح» إلى خيمته يوم 28 مايو «مثل هذا اليوم» 1453 بعد أن انتهى من جولة مروره على قواته، ويذكر «صفوت» أنه دعا كبار رجال جيشه وأصدر إليهم التعليمات الأخيرة، ثم ألقى عليهم خطبة قال فيها: «إذا تم لنا فتح القسطنطينية تحقق فينا حديث من أحاديث رسول الله ومعجزة من معجزاته، وسيكون من حظنا ما أشاد به هذا الحديث من التمجيد والتقدير، فأبلغوا أبناءنا العساكر فردا فردا أن الظفر العظيم الذى سنحرزه سيزيد الإسلام قدرا وشرفا، ويجب على كل جندى أن يجعل تعاليم شريعتنا الغراء نصب عينيه، فلا يصدر عن أحد منهم ما يجافى هذه التعاليم، وليتجنبوا الكنائس والمعابد ولا يمسوها بأذى، ويدعوا القس والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون».
وبينما كانت الأحوال على جبهة الجيش العثمانى يسودها شخذ الهمم والتصميم على النصر، كانت الأجواء بين البيزنطيين داخل المدينة يسودها «دراما النهايات»، ويوضحها «صفوت» قائلا: «عم الحزن المدينة وبكى رجال الدين عاقبة الفساد فى هذه الدنيا وسوء تصرف المسيحيين، حتى حاق بهم هذا الوبال، وظن الكاثوليك أن سبب ذلك هو رفض الأرثوذكس قبول المذهب الكاثوليكى، وظن الأرثوذكس أنه نتيجة قبول الدولة اتباع مذهب روما، وظن ثالث أنه نتيجة لإهمال الدين وعدم تقديم فروض الاحترام الكافى للقديسين»، ويوضح «صفوت» حالة الإمبراطور البيزنطى قائلا: «سار فى موكب عظيم من الكاثوليك والأرثوذكس من القسس والرهبان، ومن الرجال والنساء يبكون بالدمع الغزير ويمزقون شعورهم معلنين خطاياهم داعين الله أن يخفف عنهم ويغفر لهم، وألا يوقعهم فى أيدى الأتراك، وسار الموكب على هذا الحال منشدا الأدعية الدينية، وردد ذلك من تبعهم من العامة والناس، وحملت الأيقونات على الأسوار ذاتها، وخطب الإمبراطور البيزنطى: «أن الساعة قد أزفت وأن الأعداء الأتراك القساة مصممون على ابتلاع المدينة»، وأكد عليهم الدفاع عنها حتى لو مات هو: «للدنيا وللدين وللإمبراطور ولأولادهم ونسائهم، وإذا منحنا الله الرحمة والقوة فسيولى عدونا الأدبار أمام سيوفنا، وإذا كان الله سيعاقبنا بخطايانا بنصر هؤلاء الأعداء فسيفقد المسيحيون حريتهم وكل عزيز لديهم».
أبكت خطبة الإمبراطور قسطنطين الجميع، واستكمل يومه بأن صلى ومن معه من سكان المدينة تحت قباب كنيسة «سانت صوفيا»، وحسب «صفوت» كان هذا آخر حفل مسيحى فى هذه الكنيسة العظيمة، وعاد الكل بعدها إلى مواضعهم على الأسوار لحماية الأبواب، وبعد ذلك قصد الإمبراطور قصره يزوره الزيارة الأخيرة، فودع جميع من فيه وصافحهم، وتوجه نحو صورة يزعمون أنها صورة للمسيح معلقة فى إحدى الغرف، فركع تحتها وهمهم ببعض الدعوات ثم نهض ولبس المغفر على رأسه وخرج من القصر عند نحو منتصف الليل مع زميله ورفيقه وأمينه المؤرخ «فراتنرتس»، وقام برحلة تفقدية على قواته.
وفى صباح يوم 29 مايو 1453 بدأ اقتحام المدينة.
عدد الردود 0
بواسطة:
صوت الحق
ما المناسبة ؟
الحديث عن بطولات العثمانيين فى هذا التوقيت غريب ويثير الدهشة خاصة لو كان الحديث عن كتاب للصلابي الذى يتشابه اسمه مع الإرهابي الداعشى الليبي وأخشي أن يكون هو نفسه