لا شك أن ظاهرة التدين الشكلى وظاهرة التدين السياسى تعدان من أخطر التحديات، التى تواجه المجتمعات العربية والإسلامية، سواء من هؤلاء الذين يركزون على الشكل والمظهر، ولو كان على حساب اللباب والجوهر، وإعطاء المظهر الشكلى الأولوية المطلقة، حتى لو لم يكن صاحب هذا المظهر على المستوى الإنسانى والأخلاقى، الذى يجعل منه القدوة والمثل، ذلك أن صاحب المظهر الشكلى، الذى لا يكون سلوكه متسقًا مع تعاليم الإسلام يُعد أحد أهم معالم الهدم والتنفير. فإذا كان المظهر مظهر المتدينين مع ما يصاحبه من سوء المعاملات، أو الكذب، أو الغدر، أو الخيانة، أو أكل أموال الناس بالباطل، فإن الأمر هنا جد خطير، بل إن صاحبه يسلك فى عداد المنافقين، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»، وكذلك من يحصر التدين فى باب العبادات والاجتهاد فيها مع سوء الفهم للدين والإسراف فى التكفير وحمل السلاح، والخروج على الناس به كما حدث من الخوارج، الذين كانوا من أكثر الناس صلاة وصيامًا وقيامًا غير أنهم لم يأخذوا أنفسهم بالعلم الشرعى الكافى، الذى يحجزهم عن الولوغ فى الدماء فخرجوا على الناس بسيوفهم، ولو طلبوا العلم أولاً كما قال الإمام الشافعى، «رحمه الله» لحجزهم عن ذلك، فالإسلام دين رحمة قبل كل شىء، وكل ما يبعدك عن الرحمة يبعدك عن الإسلام، والعبرة بالسلوك السوى لا بمجرد القول، وقد قالوا: حال رجل فى ألف خير من كلام ألف لرجل.
على أن العبادات كلها لا تؤتى ثمرتها إلا إذا هذَّبت سلوك وأخلاق صاحبها، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، يقول الحق سبحانه وتعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ»، ومن لم ينهه صيامه عن قول الزور فلا صيام له، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»، «صحيح البخارى»، ولا يقبل الله – عز وجل – فى الزكاة والصدقات إلا المال الطيب الطاهر، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا» «رواه مسلم»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ» «صحيح مسلم»، وقبول الحج مرهون بالنفقة الحلال وحسن السلوك، «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، وذكر «صلى الله عليه وسلم»: «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».
وأخطر من هذا التدين الشكلى التدين السياسى ونعنى به هذا الصنف الذى يتخذ الدين وسيلة ومطية للوصول إلى السلطة من خلال استغلال العواطف الدينية وحب الناس وبخاصة العامة لدينهم، وإيهامهم بأن هدفه من الوصول إلى السلطة، إنما فقط هو خدمة دين الله، عز وجل، والعمل على نصرته والتمكين له، ومع أننا لا نحكم على النوايا ولا نتدخل فى أمر النيات فهى ما بين العبدوخالقه، وكل ونيته، فإن التجربة التى عشناها والواقع الذى جربناه مع جماعة الإخوان الإرهابية ومن دار فى فلكها أو تحالف معها من جماعات الإسلام السياسى، أكد لنا أمرين، الأمر الأول: أن القضية عندهم لم تكن قضية دين على الإطلاق إنما كانت قضية صراع على السلطة بشَرَهٍ ونَهَمٍ لم نعرف لهما مثيلا وإقصاء للآخرين فى عنجهية وصلف وغرور وتكبر واستعلاء، بما نفر الناس منهم ومن سلوكهم الذى صار عبئا كبيرًا على الدين، وأصبحنا فى حاجة إلى جهود كبيرة لمحو هذه الصورة السلبية، التى ارتسمت فى أذهان كثير من الناس رابطة بين سلوك هؤلاء الأدعياء وبين الدين، الأمر الآخر: أنهم أساءوا لدينهم وشوهوا الوجه النقى لحضارته الراقية السمحة، وأثبتوا أنهم لا أهل دين ولا أهل كفاءة، وإلا فهل من الدين أن يخون الإنسان وطنه وأن يكشف أسراره ويبيع وثائقه؟ وهل من الدين التحريض على العنف والقتل والفساد والإفساد وتشكيل ما يسمى باللجان النوعية، التى تعيث فى الأرض فسادًا فى عمالة وخيانة غير مسبوقة، خيانة للوطن ، وعمالة لأعدائه؟
وقد أكدت ومازلت أؤكد أن هذه الجماعة الإرهابية، التى وظفت الدين لخداع الناس وتحقيق مآربها السلطوية هى على استعداد للتحالف حتى مع الشيطان لتحقيق أهدافها ومطامعها السلطوية على حساب دينها أو حساب وطنها أو حساب أمتها.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
التدين الشكلي والتدين السياسي
السؤال .. لماذا انتشر التدين الشكلي والسياسي مؤخرا وكيف نكتشف كل منهما