يظن أمير قطر، تميم بن حمد، أنه بمنأى عن أى حساب أو عقاب، وأن أمواله قادرة على حمايته، مثلما استخدمها قبل ذلك فى دفع الرشاوى لشراء الأصوات والذمم والضمائر، دون أن يعى التغيرات التى حدثت وتحدث من حوله، فالأموال الحرام التى يجمعها وينفقها على التنظيمات الإرهابية والميليشيات ستكون أول حبل يلتف حول عنقه، ولن تكون قادرة على حمايته ولا الدفاع عنه.
تميم عاش وهم القوة والسيطرة والنفوذ، حينما رأى أن الإرهابيين الذين تربوا فى الحظيرة القطرية ينشطون فى الدول العربية، وأن بعضهم وصل إلى مقاعد السلطة، فظن أن حكم العرب دان منه، وأنه سيحقق الحلم الذى فشل فيه والده المنقلب عليه، حمد بن خليفة، حلم أمير المسلمين، فزاد فى الإنفاق على الإرهابيين والمتأسلمين ليضمن ولاءهم الكامل له، لكن لم يدرك حقيقة أن لكل حلم غير مشروع نهاية، خاصة إذا ارتبط الحلم بإراقة دماء الأبرياء على يد التنظيمات والميليشيات، التى يوفر لها تميم الغطاء المالى والإعلامى.
لم يتعظ تميم للتغيرات التى شهدتها المنطقة بعد 30 يونيو 2013، فتيار الإسلام السياسى المرتبط بقطر أصبح مرفوضاً من كل العرب، بدأ الرفض فى مصر ثم تعالت صيحات الرفض فى كل أرجاء الوطن العربى، إلى أن وصل الصوت إلى خارج الحدود العربية، فتيقن الجميع أن مصر فى 30 يونيو كتبت فصل النهاية للمتأسلمين، وعلى رأسهم جماعة الإخوان، لكن لم يستوعب تميم الدرس، وظن أنها سحابة ستمر سريعاً، لكن السحابة خلعت الإخوان من جذورهم، وأضاعت حلم تميم الحرام.
لم يستسلم تميم، واختار الدماء كسلاح لمواجهة رافضى الإخوان، فدعم الميليشيات المسلحة بالمال والسلاح والتدريب، وساهم بتعاون موثق مع المخابرات التركية فى إنشاء معسكرات تدريب للإرهابيين فى سوريا وليبيا، بهدف خلق جيل من الإرهابيين يدينون بالولاء لقطر وتركيا، وتنفيذ عمليات نوعية فى الدول، التى تعتبرها قدرا عدوة لها، وعلى رأسها مصر، وضمت القائمة السعودية ودولا أخرى فى المنطقة، شهدت عمليات إرهابية استهدفت فى المقام الأول القوات المسلحة، وبعدها ضرب التماسك الشعبى، ففى مصر على سبيل المثال تركزت العمليات الإرهابية على المسيحيين المسالمين، سواء فى داخل مصر أو خارجها، كما حدث قبل ذلك فى ليبيا بحق العمال المصريين الـ21 الذين استشهدوا على يد تنظيم داعش الإرهابى، وكذلك حادث المنيا الأخير، ومن قبله استهداف الكنائس، سواء بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة المسلحين، أو استهداف الكنيسة البطرسية والكنائس الأخرى فى القاهرة وطنطا والإسكندرية، وأيضاً توجيه رسائل تهديد للمسيحيين المقيمين فى العريش، والهدف من هذه العمليات واضح، وهو بث الفرقة والفتنة بين المصريين، وهو أسلوب جديد لجأت إليه قطر عبر أذرعها الإرهابية فى مصر، بعدما فشلت فى استهداف القوات المسلحة المصرية والشرطة.
تميم الذى تعامل بلغة الدم، هو أكثر شخص يدرك أن ما يفعله لن يحقق له شيئا، وأن نهايته أصبحت قريبة، ليس فقط بسبب تصريحاته المسيئة لدول الخليج وللعرب بشكل عام، ولكن لمواقفه وتصرفاته العدائية ضد الجميع، ودعم الإرهاب فى المنطقة، وهى المواقف التى تكشفت ليس فقط للشعوب العربية، وإنما للمجتمع الدولى الذى بات الآن أكثر إدراكاً لحقيقة إرهاب تميم ونظامه، وبدأت المطالبات الدولية تتصاعد ضد تميم.
آخر هذه المطالبات الصادرة عن واشنطن، وتسير فى اتجاه أن الإدارة الأمريكية بصدد اتخاذ إجراءات عقابية ضد الدوحة، وسط ترجيحات بأن أول الإجراءات ستكون من خلال طرح مشاريع قوانين فى الكونجرس لملاحقة قطر بتهمة دعمها الجماعات الإرهابية ليس فقط من الآن، ولكن منذ أكثر من عشرين عاماً، كما بدأت أصوات عديدة فى واشنطن تطالب إدارة الرئيس دونالد ترامب بمراجعة العلاقات مع الدوحة بعد ورود أدلة عديدة على ضلوعها المباشر فى هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وهو ما كشفه مؤخراً جون هانا، مستشار الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش لشؤون الأمن القومى، الذى تحدث عن استضافة الحكومة القطرية للعقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر خالد شيخ محمد، ومنحته وظيفة بين عامى 1996 و1995، كما اتهم الدوحة بالتعامل بوجهين مع الولايات المتحدة بدعمها للمتشددين وتحويلها «الربيع العربى» إلى شتاء للمتشددين.
وفى نفس الوقت، أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى أن التعريف الوحيد الذى ينطبق على قطر، هو أنها دولة ساعدت فى تمويل تنظيمات القاعدة ومن بعدها داعش، وجماعة الإخوان الإرهابية، وكذلك جماعة طالبان الأفغانية، وهو ما دعا مسؤول أمريكى كبير وهو دينيس روس، المبعوث الأمريكى الأسبق للشرق الأوسط، للقول علناً إن على قطر أن تختار بين الولايات المتحدة والمتطرفين، بعدما قررت الدوحة أن تخول لنفسها الحق فى التعامل مع الإخوان المسلمين وتدعم موقفهم، وليس فقط الإخوان، ولكن الجماعات المتشددة الأخرى.
العقاب الدولى لقطر قد يمتد إلى القواعد الأمريكية الموجودة على الأراضى القطرية، وهما قاعدتى العيديد والسيلية، التى يعتمد عليهما تميم فى حماية نفسه ونظامه، فهناك مطالبات داخل الإدارة الأمريكية بسحب القاعدتين من الدولة ونقلهما إلى دولة أخرى فى المنطقة، بعدما أساءت قطر استخدام القاعدتين، وأنه من الأفضل ترك الدوحة عارية تماماً من أى حماية.
فرنسا هى الأخرى مرشحة أن تدخل على خط عقاب قطر، خاصة أن الرئيس الجديد لفرنسا، إيمانويل ماكرون، الذى سبق وتعهد خلال حملته الانتخابية بوقف نفوذ قطر داخل فرنسا، قائلاً: إن الدوحة أحد أبرز ممولى الإرهاب فى دول المنطقة، كما تعهد بإنهاء الاتفاقات التى تخدم مصلحة قطر فى فرنسا، مشيرا إلى أنه سيكون لديه «مطالب كثيرة» إزاء قطر، وقال وقتها: «سأنهى الاتفاقات التى تخدم مصلحة قطر فى فرنسا، وأعتقد أنه كان هناك كثير من التساهل وخصوصا خلال ولاية الرئيس السابق نيكولا ساركوزى».
كل المؤشرات تذهب فى اتجاه واحد، وهو أن الحبل بدأ يلتف حول عنق تميم، وأن الوقت بدأ فى النفاد، ونحن فقط فى انتظار لحظة الحسم.