لبّيكَ لبّيكَ يا سرّى ونجوائى/لبّيك لبّيك يا قصدى ومعنائى
تقول كتب التاريخ إن الصوفى المشهور أبو منصور الحلاج تم سجنه فى سنة 301 هجرية، وأنه بعد ثمانى سنوات من السجن استيقظ وهو يعرف أن موعده مع الموت قد جاء، ففى مساء 23 ذى الحجة من عام 309 تم جلده 1000 جلدة، وفى صبيحة اليوم التالى قطعت أطرافه وصلب على جذع شجرة، أما فى صباح 25 ذى الحجة فقد قطع رأسه وصب النفط على بدنه وأحرق ثم حُمل رماده إلى رأس المنارة وألقى فى نهر دجلة.
يا عين عين وجودى يا مدى هممى/ يا منطقى وعباراتى وإيمائى
ولد الحلاج تقريبا فى عام 244 هجرية فى إحدى القرى القريبة من إقليم فارس، وقد جاءه لقب «الحلاج» من مهنة أبيه، على الرغم من أن هناك رواية صوفية ترى أنه اكتسبه عن كونه «حلاج الأسرار»، كما أنه عاش طوال حياته مثيرا للأسئلة أكثر من بحثه عن الإجابات، فهو لم يكن يركن إلى شىء ثابت ويحفظه ولا يريد من الأمور، سواء دينية أو دنيوية أن تمر مرور الكرام، لذا أثار غضب الجميع السياسيين والشيعة والسنة والصوفية ورجال الفكر والعامة.
يا كلّ كلّى يا سمعى ويا بصرى/ يا جملتى وتباعيضى وأجزائى
وهنا فى قصيدته الشهيرة المسماة بـ«تلبية الحلاج» نرى «العاشق الكامل» كما يصفه البعض وهو على طريق الحب يصف حاله مع الله ويبين مدى تفانيه فى القرب منه، فهو بقلبه المفعم والراغب فى الوصول لا يعترف بالعوائق التى من الممكن أن تمنع محبوبا عن محبوبه.
حبّى لمولاى أضنانى وأسقمنى/فكيف أشكو إلى مولاى مولائـى
بالتأكيد فإن تجربة الحلاج الصوفية مختلفة عن تجربة المتصوفة الذين كانوا يعاصرونه، فهم كتموا، وهو أعلن وصرح بكل ما أحس به، خاطب ربه بما فى نفسه من شوق ورغبه، لكن الناس لم يفهموا قصده فكانوا يسألونه دائما عن مذهبه الدينى فيقول: «أنا على مذهب ربى»، لكنهم ظنوه مبالغا ومغاليا، وهو فى الحقيقة لم يكن سوى محب عظيم.
يا غاية السؤل والمأمول يا سكنى/يا عيش روحى يا دينى ودنيائى
ويبقى الحلاج وتلبيته إلى الأبد داخلين فى شهد الكلام الصوفى الجميل، ويظل هو باعثا دائما على التفكير والحب حتى أنهم عندما وضعوه على جذع الشجرة مصلوبا قال «يا رب.. هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلى تعصبا لدينك وتقربا إليك، فاغفر لهم، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لى لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عنى ما سترت عنهم لما ابتليت، فلك الحمد فيما تفعل ولك الحمد فيما تريد».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة