من القضاء إلى السينما هكذا هى حياة الناقد الراحل مصطفى درويش، الذى رحل عن دنيانا اليوم تاركا لنا كتبا ومقالات نقدية وأبحاثا سينمائية يستفيد منها الجيل الجديد من النقاد.
كان الراحل أحد عشاق السينما المخلصين وتولى مسئولية الرقابة المصرية فى أحلك فترات العمل الرقابى، وخاض معارك عديدة لأجل حرية الإبداع التى آمن بها دوما ورغم أنه عمل رئيسا للرقابة لمدة عامين فقط، إلا أنه عشق السينما فاتجه للنقد السينمائى، وأسس نادى السينما الذى استفادت منه أجيال عديدة.
وفى كتابه "أربعون سنة سينما" الذى صدر بمناسبة تكريمه فى المهرجان القومى للسينما قال: "وجدتنى أمارس مهنة على النقيض تماما من مكونى الرئيسى وهو الإيمان الذى يكاد يكون مطلقا بالحرية، لا سيما ما كان منها متصلا بحرية التعبير، مضيفا قضيت 37 سنة فى القضاء مستشارا فى مجلس الدولة ومهتم بالسينما، وانتدبت مديرا للرقابة مرتين الأولى عام 1962 وكانت لمدة 5 أشهر، والثانية عام 1966 واستمرت لمدة عام ونصف حتى 24 أبريل 1968، وهاتين الفترتين كانتا الأصعب على جهازى العصبى، ما بين ظروف سياسية صعبة صعبت من مهمة الرقابة، يكفى أنها شهدت هزيمتنا المروعة عام 67 وتنحى عبد الناصر.
الناقد السينمائى الكبير مصطفي درويش فى مكتبه
حاول الناقد الكبير كسر القيود الرقابية وعن ذلك يقول فى كتابه: طلبت حين توليت مسئوليتها قائمة بالأفلام الممنوع عرضها كان من بينها فيلم "المليونيرة" لصوفيا لورين وكان مأخوذا عن مسرحية لبرنارد شو، فى تلك الفترة كانت البلد نفسها فى حالة تربص فقد وافقت الرقابة قبلى على فيلم "خذنى بعارى" وجاء عرضه متزامنا مع انفصال مصر وسوريا، وقال البعض إنه يرمى لذلك الانفصال وكان وزير الثقافة ثروت عكاشة متحمسا لمنع الفيلم فأصدر قرارا بوقف عرضه وصارت ضجة كبيرة لذلك، وقد كان من الخطأ وقف عرض فيلم حصل على موافقة رقابية، وهو نفس ماتكرر مع فيلم "حلاوة روح" الذى رفعه إبراهيم محلب رئيس الوزراء من دور العرض ثم عاد بحكم قضائى.
الناقد السينمائى الكبير مصطفي درويش
كما يضيف الراحل فى كتابه: وافقت على كل مشروعات الأفلام ولم أرفض فيلما واحدا، كنت أوافق على الأفلام دون حذف، ومن الأفلام التى آثارت ضجة وقتها "المتمردون" لتوفيق صالح فقد وافقت عليه كاملا، وقد علمت إن الوزير ثروت عكاشة قال لاعتدال ممتاز التى تولت الرقابة بعدى، أن تطيح بكل ماوافقت عليه، لهذا تم حذف مشاهد من المتمردون بعد تركى للرقابة.
وشرح الناقد السينمائى الكبير فى كتابه وجهة نظره تجاه المرأة والسينما فقال: السينما المصرية المعاصرة فى عرضها لقضايا المرأة ومشاكلها تنحصر أدوارها فيها ـ بغض النظر عن الموقع الذى تشغله فى الحياة الاجتماعية، أولا وقبل كل شئ في إطار علاقتها بالرجل وفي المقابل يختار فيلمين من بلدين ناميين.. من كوبا فيلم «لوسيا» 1968 للمخرج أومبرتو سولاس، ومن تركيا فيلم «الطريق» للمخرج يلماز جونيه، يحلل كل فيلم بالتفصيل لينتهى بأنهما لا يقدمان أنماطا تقليدية للمرأة ويتصديان لقضية المرأة من أرضية ادراك ثوري ووعى ناضج بأبعاد القضية التي لا يمكن فصلها عن مجموعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
كان الراحل عاشقا للنجمة العالمية مارلين مونرو وكانت صورها منتشرة فى منزله ويقول عنها: هى ممثلة جميلة ومتحررة، ومتمكنة من موهبتها، هذا التمكن جاء من أنها تحب الكاميرا، والكاميرا بادلتها حبا بحب، أنها تحمل كل مقومات النجومية وبعض أفلامها تحسب من روائع السينما مثل «البعض يفضلونها ساخنة» الذى شاهدته عشرات المرات دون أدنى إحساس بالملل، وقد تفوقت فى أدائها بفضل مخرجين كبار أثروا فيها مثل بيللى وايدر، وآخر فيلم قدمته كتب له السيناريو زوجها الروائى آرثر ميللر، ولو تركت مارلين بموهبتها الفطرية كممثلة لأبدعت أكثر لكن التحاقها بأحد استديوهات التمثيل بهوليوود أفسد موهبتها، كما عاملتها شركات الانتاج كدمية حتى أن شركة فوكس عاملتها بشكل سئ وأوقفت تصوير فيلمها الأخير، الشهرة عموما لها ثمن وقد دفعته مارلين، وكما يقول المخرج الفرنسى جودار الممثل الجيد لابد أن يكون عنده «شيزوفرينيا» لكى يستطيع التعبير ببراعة عن كل الشخصيات التى يؤديها.
وعن رأيه فى الرقابة الحالية قال فى حوار لموقع «سينماتوغراف» مع الزميلة انتصار دردير: أرى أن الرقابة حدثت لها انتكاسة كبيرة بعد ثورة يناير، فحين تولاها مخرج ينتمى فكرا لآل السبكى، أغرق السوق بأفلامهم بكل ماتحتويه من سوقية وهبوط واسفاف، هناك عموما ردة رقابية، مؤخرا طلبت الرقابة منى رأيا فى سيناريو فيلم لهانى فوزى وهو «شلة زمان» وقد وافقت عليه وطلبت فقط حذف بعض ألفاظ وردت فى الحوار، بينما رفضه الرقباء لأنه ينتقد الكنيسة، وما المانع أن ينتقد الكنيسة مثلما ينتقد عمل آخر شيخ من الأزهر، أنا شخصيا ضد التابوهات الرقابية الثلاث «الدين والجنس والسياسة» لأنها لو طبقت بجمود قد تقضى على اى فن، وقد واجهت مشكلة مماثلة مع الفيلم الانجليزى «بريست» الذى كنت أعرضه فى نادى السينما بالمجلس الأعلى للثقافة وكان بطله قسيس من المثليين أقام علاقة مع رجل ففضحه وأصبح منبوذا من الكنيسة، وكنا نعرضه فى قاعة صغيرة لمجموعة من الأدباء والنقاد لكنى فوجئت بالغاء عرضه بقرار من د.جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق مبررا ذلك بأن البابا كان يزور مصر فى ذلك الوقت، رغم أن الفيلم كان يعرض وقتها فى روما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة