وكالة الأنباء البريطانية «رويترز»- وما أدراك ما رويترز- بثت خبرًا صباح أمس الأول، الاثنين، أكدت فيه أن حركة حماس «الإخوانية» ستنأى بنفسها من جماعة الإخوان، فى وثيقة رسمية، وأن القيادى بالحركة خالد مشعل، سيعلن عن ذلك فى مؤتمر صحفى، فى نهاية نفس اليوم.
انتظرنا نهاية اليوم، لنتابع المؤتمر الصحفى، ففوجئنا، بأن هناك مؤتمرين صحفيين وليس مؤتمرًا واحدًا، الأول فى الدوحة، وقاده خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس الحالى، وجلس على يمينه موسى أبو مرزوق، وعلى يساره سامى خاطر، ثم صالح العرورى، الذى كان مسؤولًا للحركة فى تركيا، وطرده أردوغان بطلب إسرائيل، ثم محمد نزال ثم ماهر عبيد ثم عزت الرشق المقيم مع مشعل فى قطر.
والثانى، وفى نفس التوقيت، كان فى غزة، ويقوده إسماعيل هنية، المرشح لخلافة خالد مشعل، فى منصب رئيس المكتب السياسى للحركة، ويحيى السنوار، القائد العسكرى للحركة، والذى تربطه علاقات قوية بإيران.
وبالنظر لحفنة الأشرار المشاركين فى المؤتمرين، وقبل الخوض فى تفاصيل الوثيقة، تكتشف، أمورًا مهمة للغاية، أبرزها أنها ضمت وجوهًا مرتبطة بدول، خالد مشعل، «الخادم» الوفى لدويلة قطر وقصرها الأميرى، وموسى أبومرزوق، الذى يشيع بأن هواه «مصرى»، عكس ما يضمره من أحقاد دفينة لمصر والمصريين، وولائه الشديد لجماعة الإخوان الإرهابية، وصالح العرورى «الخادم الوفى» لتركيا، ويحيى السنوار «الخادم» الوفى لإيران، وإسماعيل هنية، «خادم» الإخوان الإرهابيين فى كل مكان.
أى أن فلسفة المؤتمرين الصحفيين قائمة على توصيل رسائل، ودغدغة مشاعر دول وجماعات، مثل تركيا وقطر وإيران وإسرائيل، بالدرجة الأولى، ثم الخليج ومصر، بدرجة أقل، والتنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية.
كما لوحظ ومع بدء المؤتمر، أن الوثيقة مترجمة باللغة الإنجليزية، والهدف واضح ولا يحتاج لقريحة العباقرة، فى تفسيرها، بأن الهدف من ترجمتها، اللعب على مشاعر الإدارة الأمريكية الجديدة القاطنة فى البيت الأبيض، بالدرجة الأولى.
هذا من ناحية الشكل، لكن من ناحية المضمون، انتظرنا أن خالد مشعل الذى يقود المؤتمر الصحفى بالدوحة، أو إسماعيل هنية الذى يقود المؤتمر الثانى فى نفس التوقيت بغزة، يتطرقان لما أعلنته وكالة رويترز «البريطانية»، بأن الوثيقة تتضمن بندًا صريحًا بالتنصل من جماعة الإخوان، ولكن انتظارنا طال وخلت الوثيقة من هذا التنصل صراحة.
الوثيقة ضمت 42 بندًا، مقسمة إلى 11 عنوانًا عريضًا، لم يتطرق بند واحد إلى التنصل من جماعة الإخوان، وعندما طرح أحد الصحفيين، سؤالًا لخالد مشعل، عن تنصل الحركة من الإخوان، رد بأن حماس لا تنتمى «عضويًا» لأى تنظيم سواء فى فلسطين أو خارجها، وأنها تنتهج الإسلام الوسطى، وضد التطرّف، وإن كانت فكريًا تتسق مع أفكار جماعة الإخوان.
إذن، الحركة لم تعلن صراحة فى الوثيقة أنها تتنصل من جماعة الإخوان الإرهابية، وفى نفس الوقت لم تذكر أيضًا «الإخوان المسلمين» فى أى جملة مفيدة من البنود البالغ عددها 42 بندًا، خلافًا لميثاقها التأسيسى الذى أكد ارتباط الحركة بجماعة الإخوان وأنها أحد أفرعه فى فلسطين، تاركة الأمر غائمًا، لا تستطيع رسميًا أن تؤكد استمرار علاقتها بالإخوان، أو تنصلها منهم فى طلاق بائن بينونة صغرى أو كبرى.
وبالتدقيق فى بنود الوثيقة، تكتشف مفاجآت مدوية، منها الاعتراف رسميًا بدولة إسرائيل، وبحدود 4 يونيو 1967، ولم تذكر الوثيقة الجملة المعتادة لحركة حماس وهى «تدمير إسرائيل» وإنما ركزت على قبول الأمر الواقع، والاعتراف بدولة إسرائيل من الأبواب الواسعة، خاصة البوابة الرئيسية لعاصمة الخيانة العربية «الدوحة».
والبند رقم 16 من الوثيقة «الميمونة»، تضمن أمرًا جديدًا فى سياسة وفلسفة الحركة، حيث قالت نصًا: «تؤكد حماس أنَّ الصراع مع المشروع الصهيونى ليس صراعًا مع اليهود بسبب ديانتهم، وحماس لا تخوض صراعًا ضد اليهود لكونهم يهودًا، وإنَّما تخوض صراعًا ضد الصهاينة المحتلين المعتدين، بينما قادة الاحتلال هم من يقومون باستخدام شعارات اليهود واليهودية فى الصراع، ووصف كيانهم الغاصب بها».
أما البند رقم 20، فاعترف صراحة بدولة إسرائيل، ولكن بصيغة مطاطة، تتضمن تلاعبًا بالألفاظ بطريقة بلدى وساذجة، حيث جاء نص البند على النحو التالى: «لا تنازلَ عن أىّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال، وترفض حماس أى بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريرًا كاملًا، من نهرها إلى بحرها، ومع ذلك- وبما لا يعنى إطلاقًا الاعتراف بالكيان الصهيونى، ولا التنازل عن أىٍّ من الحقوق الفلسطينية- فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التى أخرجوا منها، هى صيغة توافقية وطنية مشتركة».
وانطلاقًا من قبول الحركة لحدود الرابع من يونيو 1967، فإن على الحركة تقديم الاعتذار الصريح والواضح، وتعلن ندمها الشديد على كل الإساءات التى وجهتها لمصر، وللرئيس الراحل أنور السادات، الذى سبق عصره، وطالب بإقامة الدولة الفلسطينية، ولكن وبعد ما يقرب من 40 عامًا، ترتضى الحركة بما كان سيعيده «السادات».
وتبقى حقيقة مؤكدة، أن حركة حماس لا تصنع عملًا وراءه منافع ومصالح عامة، ولكن منافع وأهداف خاصة، وأن الحركة بهذه الوثيقة نثرت بذور إقامة دولة «غزة»، ومن ثم صار هناك 3 دول مقامة على الأراضى الفلسطينية، دولة إسرائيل، ودولة غزة، ودولة رام الله، واندثر اسم فلسطين من فوق الخريطة الجغرافية.