الشىء العظيم فى الأمريكان أن لديهم من الأجهزة ما تمكنهم من رصد الحاضر والمستقبل، وترسم لهم طريقا يسيرون عليه ولا يقتصر ذلك على الأجهزة البحثية، بل تقوم أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية بإعداد تقارير تتحدث عن مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، وهى التقارير التى دائما ما تكون جرس إنذار حقيقى للإدارة الأمريكية، وهو ما نفتقده فى منطقة الشرق الأوسط التى لا تستخدم أى تقرير يكون موجها وكاشفا للحقائق مثل انهيار قادم أو كيفية حل مشاكل معينة، والنتيجة أننا مازلنا نغرق فى شوية أمطار أو مجارى عكس زمريكا التى تنتظم عجلة التقدم فيها، لأنها تستفيد من التقارير الخاصة التى تعد لاستشراق المستقبل، وفى هذا العام خرجت علينا المخابرات الأمريكية الـc.i.a لتؤكد أن مخاطر نشوب صراعات ستزداد خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وستصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ الحرب الباردة، نتيجة تآكل نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية والنزعات القومية الناجمة عن معاداة العولمة.
وجاء فى التقرير «التوجهات العالمية: متناقضات التقدم»، وهو السادس فى سلسلة دراسات يجريها مجلس المخابرات الوطنية الأمريكية كل أربعة أعوام «ستتقارب هذه الاتجاهات بوتيرة لم يسبق لها مثيل تجعل الحكم والتعاون أصعب وستغير طبيعة القوة، ستغير بشكل جذرى المشهد العالمى»، ولخصت نتائج التقرير عوامل وصفتها بأنها ستشكل «مستقبلا قريبا قاتما وصعبا» يشهد زيادة جرأة روسيا والصين وصراعات إقليمية وإرهابا وتباينات متزايدة فى الدخول وتغيرا مناخيا ونموا اقتصاديا ضعيفا.
وتتعمد تقارير «التوجهات العالمية» تجنب تحليل السياسات أو الخيارات الأمريكية، لكن الدراسة الأخيرة ركزت على الصعاب التى ينبغى للرئيس الأمريكى الجديد معالجتها، من أجل إنجاز تعهداته بتحسين العلاقات مع روسيا وتسوية ساحة المنافسة الاقتصادية مع الصين وإعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة وهزيمة الإرهاب.
يضم مجلس المخابرات الوطنية محللين أمريكيين كبارا ويشرف على صياغة تقييمات المخابرات الوطنية التى تضم فى الغالب أعمال كل وكالات المخابرات وعددها 17 وكالة، وهى أشمل المنتجات التحليلية فى المخابرات الأمريكية.
ودرس التقرير الذى شمل مقابلات مع خبراء أكاديميين ومتخصصين ماليين وسياسيين من أنحاء العالم التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التى يرى المؤلفون أنها ستشكل ملامح العالم من الآن وحتى عام 2035 وأيضا تأثيراتها المحتملة، قالت الدراسة: إن الإرهاب سيزداد فى العقود المقبلة مع امتلاك الجماعات الصغيرة والأفراد «تكنولوجيا وأفكارا وعلاقات جديدة»، وأوضح أن الغموض بشأن الولايات المتحدة وأيضا «الغرب الذى ينظر إلى الداخل»، وضعف حقوق الإنسان الدولية ومعايير منع الصراعات ستشجع الصين وروسيا على تحدى النفوذ الأمريكى، وأضافت أن التحديات «ستظل أقل من مستوى الحرب الملتهبة، لكنها ستحمل فى طياتها مخاطر تقديرات خاطئة عميقة»، محذرة من أن «الإفراط فى الثقة بأن القوة المادية قادرة على ضبط التصعيد ستزيد من مخاطر الصراعات بين الدول إلى مستويات لم تحدث منذ الحرب الباردة.»
وقال: إنه مع إمكانية تفادى «حرب ملتهبة» تقود الخلافات فى القيم والاهتمامات بين الدول ومساعى الهيمنة الإقليمية «إلى عالم موزع على مناطق نفوذ»، وأوضح التقرير وهو موضوع مؤتمر فى واشنطن أن الموقف يقدم فى نفس الوقت فرصا للحكومات والمجتمعات والجماعات والأفراد لاتخاذ خيارات قد تفضى إلى «مستقبل أكثر أملا وأمانا»، وأضاف «كما تشير متناقضات التقدم فإن نفس الاتجاهات التى تولد مخاطر على المدى القريب قد تنتج أيضا فرصا لنتائج أفضل على المدى القصير».
ذكر التقرير أيضا أنه بينما أسهمت العولمة والتقدم التكنولوجى فى «إثراء الأكثر ثراء»، وانتشال مئات الملايين من براثن الفقر فإنها أدت أيضا إلى تآكل الطبقات المتوسطة فى الغرب، وألهبت ردود الفعل ضد العولمة. وتفاقمت هذه الاتجاهات مع أكبر تدفق للمهاجرين فى سبعة عقود.
ومن التوجهات التى تشكل المستقبل انكماش عدد السكان فى الفئات العمرية الصالحة للعمل بالدول الغنية ونموها فى الدول الفقيرة، خاصة فى أفريقيا وجنوب آسيا، الأمر الذى يزيد من فرص العمل ونمو المناطق الحضرية.
وقالت الدراسة: إن العالم سيستمر فى تسجيل نمو ضعيف على المدى القصير فى ظل معاناة الحكومات والمؤسسات والشركات للتغلب على آثار الأزمة المالية العالمية.
وأوضح «الاقتصادات الكبيرة ستواجه انكماشا فى القوة العاملة وتقلصا فى الإنتاج وهى تتعافى من الأزمة المالية (2008 - 2009) بديون كبيرة وطلب ضعيف وشكوك بشأن العولم، هذه هى أهم ملامح تقارير المخابرات الأمريكية التى تعد بالفعل طريقا حقيقيا لكل مستقبل أمريكا والمنطقة، وهو ما جعل واشنطن هى سيدة العالم، فالتقدم ليس كيميا أو لوغاريتم بل هى علم ودراسة، وهى ما تتميز به أمريكا التى تعلم علم اليقين أن سر تفوقها هو نفسه سر فنائها، وهو العلم الذى جعله سيدة الكون والمتحكم فى كل شىء، والجميع يسعى ليكون إما تابعا لها أو مقلدا أو يسير على نفس النهج الأمريكى، وأعتقد أنه لولا العلاقات الغريبه بين أمريكا وإسرائيل لكانت العلاقات بينها وبين العرب كشعوب أفضل بكثير من أى دولة أخرى، ولكن قصة الدعم للصهاينة هو الذى أدى إلى تدهور شعبية أعظم دولة فى الكون، وغدا إن شاء الله نواصل الحديث عن أمريكا والتحديات المقبلة.