كتبت فى هذه المساحة وطوال السنوات الأربع الماضية، تحديدا، عددا من المقالات المفندة لممارسات الجماعات والتنظيمات المتدثرة بعباءة الدين الإسلامى، وقلنا إن هذه الجماعات نذرت نفسها لقتل أبناء الذين يعلون شأن وقدسية يوم «الجمعة» فيزحفون للمساجد، وأبناء الذين يعلون من شأن وقدسية يوم «الأحد» فيزحفون للكنائس، بينما يتركون هؤلاء الذين يقدسون يوم «السبت» فى إسرائيل يعيشون فى أمن وأمان.
نعم هذه التنظيمات، تعبث بالأوطان التى يرفع فيها الأذان، ويقف أبناؤها بين يدى الله 5 مرات يوميا، ويعمرون المساجد، بينما يحافظون على استقرار وازدهار الأوطان التى تحمل للإسلام كل الكراهية والعداء، وتغتصب أراضيه، وتقتل أبناءه.
ولم يكن حادث المنيا ومن قبله حوادث تفجير كنائس البطرسية وطنطا والإسكندرية، إلا تأكيدا على ما حذرنا منه، وكشفناه، عن حقارة هذه التنظيمات، وبالأخص جماعة الإخوان الإرهابية، مع العلم أن عقيدة المصرى القديم قائمة على نبذ العنف، وتجريم القتل، من قبل أن تهبط الرسائل السماوية على الأرض، وكنت قد كتبت مقالا مؤخرا، عن «كيف نبذ المصريون القدماء العنف والقتل»، ولتشابه الأحداث نعيد نشره مع التعديل والتحديث وفقا للأحداث الجارية.
ففى فصل الاعتراف السلبى، أو ما يطلق عليه فصل المحاكمة، من كتاب «الخروج فى النهار»، وهو الكتاب الذى يمثل الأدب الجنائزى الفرعونى، ويسرد دفاع المصريين عن أنفسهم أمام محكمة العدل الإلهية بعد الممات، وظهر فى الفترة ما بين الأسرة الثامنة عشرة وحتى الأسرة 26، من التاريخ الفرعونى، تكتشف كم كان المصريون رائعين، رغم أن تلك الفترة لم تكن هناك ديانات سماوية، ومع ذلك كان المصرى القديم على درجة عالية من الضمير، والقيم الأخلاقية، والتدين الفطرى، وسجل دفاعه عن نفسه فى العالم الآخر على ورق بردى فى كتاب «الخروج فى النهار».
وسنختار جزءا من دفاع المصرى القديم عن نفسه يوم الحساب فى العالم الآخر، وهذا الجزء الذى تمت ترجمته من النصوص المسجلة على جدران مقبرة «حور خوف» بأسوان، وتحديدا فيما يسمى مقابر «قبة الهوا»، وهى مقابر منحوتة فى الصخر لنبلاء وكبار العمال للدولة الوسطى.
يقول النص:
التحيات لك أيها الرب العظيم، رب العدل المطلق..
جئتك سيدى وجىء بى لمشاهدة كمالك..
أنا أعرفك وأعرف الآلهة الاثنين والأربعين..
الذين معك فى ساحة العدل المطلق..
الذين يتعيشون على أصحاب السوء ويتغذون على دمائهم.
لم أقتل إنسانا
لم أحرض على القتل
لم أعذب أحدا
لم أتسبب فى بكاء أحد
لم أكن عدوانيا
لم أنشر الخوف
لم أقتل حيوانا
لم أتجسس على الآخر
لم أمارس الزنا
لم أسرق طعاما
لم أكذب
هذا الجزء الصغير من نص كبير للغاية مسجل على جدران المقبرة، إنما يعبر عن ضمير حى، وتدين فطرى، وقيم أخلاقية، قبل أن تدشنها الكتب السماوية بمئات السنين، ومع ذلك تجد القرضاوى وبرهامى والحوينى وكل قيادات الإخوان والجماعات المتطرفة، يكفرون الفراعنة ويهددون بتدمير تراثهم من آثار خالدة متمثلة فى الأهرامات وأبوالهول والمعابد والمقابر والمسلات.
الفراعنة كان لديهم وازع دينى فطرى، وضمير أخلاقى، لا يتقربون إلى الله بتقديم قرابين أشلاء أجساد العباد، فى دور العبادة، أثناء وقوفهم بين يدى الله، مثلما يصنع المتدثرون بعباءة الدين الإسلامى، من الإخوان الإرهابيين والتكفيريين.
أى دين هذا الذى يتقرب أتباعه إلى الله بتقديم أشلاء أجساد العباد متفجرة كقرابين يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى الذى حرم قتل النفس؟ أى دين لهؤلاء الذين يروعون الآمنين ويثيرون الذعر فى قلوب الأطفال والنساء والكبار؟
أى دين لهؤلاء الذين يتآمرون مع الخونة لإسقاط بلاد الإسلام ويتركون دولة الكفر والإلحاد «إسرائيل» تعيش فى نعيم؟
أى دين لهؤلاء الذين يهدمون المساجد والكنائس التى يذكر فيها اسم الله، ولا يتوجهون بطلقة واحدة تجاه إسرائيل لتحرير بيت المقدس، فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب سلم القدس حرة عزيزة شامخة للمسلمين، ولم يستطع المسلمون الحفاظ عليها، فجاء صلاح الدين الأيوبى على رأس جيش مصرى، وحررها، ثم جاءت إسرائيل لتحتلها، وتسيطر عليها، وتمنع المسلمين من دخولها.
وجاءت التنظيمات والجماعات، من الإخوان لتنظيم القاعدة لداعش وجبهة النصرة، وغيرها من الجماعات التكفيرية، ومنحوا أنفسهم الحق الحصرى لاحتكار «الإسلام» يتحدثون باسمه، ويكفرون ما يشاؤون، ويمنحون صكوك الغفران ودخول الجنة لمن يشاؤون، فى عملية تشويه للدين الحنيف هى الأكبر من نوعها منذ هبوط الرسالة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
هذه التنظيمات نذرت أنفسها للجهاد فى بلاد الإسلام، تقتل المسلمين وتفجر المساجد التى يرفع فيها اسم الله، وتسفك دماء الأقباط وتفجر كنائسهم تحت شعار الجهاد، فى الوقت الذى تركت فيه كل أعداء الإسلام، يعيشون فى أمن واستقرار، وتقدم، وتزداد قدراتهم العسكرية، وتمددهم الاستعمارى.
وها هى إسرائيل تحتل القدس من نصف قرن، ولم تطلق جماعة أنصار بيت المقدس أو داعش أو الإخوان، طلقة واحدة تجاه الصهاينة، رغم أن جماعة الإخوان الإرهابية صدعت رؤوسنا بشعارات الكذب والخداع والمتاجرة السياسية، قبل ثورة 25 يناير 2011، «على القدس رايحين شهداء بالملايين» وعندما وصلوا للحكم، وجدناهم يرتمون فى أحضان أمريكا وإسرائيل، ووصف قادتها بالأصدقاء الأعزاء.
جماعة الإخوان، وذيولها داعش وأنصار بيت المقدس وجبهة النصرة، والقاعدة، تعمل على هدم بلاد الإسلام، وتقسيمها، وتقزيم دورها، وانهيار اقتصادها، وهو ما يصب فى مصلحة إسرائيل، وكل أعداء الإسلام.
جماعات الإرهاب والتكفير، دستورها تدمير بلاد الإسلام، والصمت والوداعة أمام أعداء الدين الحنيف، والتحالف معهم، «رافعين شعار نتقرب إلى الله بتقديم أشلاء أجساد الأبرياء كقرابين»، دون الوضع فى الاعتبار إذا كانت هذه الأشلاء خاصة بأجساد الأطفال والنساء والكبار.