انتصر الأسرى الفلسطينيون على إسرائيل فى معركة «الأمعاء الخاوية»، نجح 1600 أسير فى السجون الإسرائيلية فى فرض مطالبهم وتنفيذها بقوة إرادتهم، بعد 41 يوم إضراب عن الطعام.
هو انتصار لا يجب التهوين منه، ولا الإقلال من درجته، لأنه يأتى فى زمن الاستسلام العربى الرسمى الكامل أمام إسرائيل، ويأتى دون فرقعات رصاص، فإرادة الإنسان الفلسطينى التى لا تقهر كانت هى السلاح المقاوم.
التصميم على الاستمرار فى الإضراب عن الطعام لمدة 960 ساعة، ورفض الأسرى كل محاولات إسرائيل للالتفاف على قيادة الإضراب ممثلة فى مروان البرغوثى، أعطى نموذجا فى كيفية إدارة المعارك، فالثقة لم تتزعزع لحظة واحدة فى القيادة، والقيادة أكدت أنها على قدر المسؤولية، وأعادنى ذلك إلى حوار أجريته مع مروان البرغوثى نشرته على صفحة كاملة فى جريدتى «العربى» لسان حال الحزب الناصرى يوم 12 أغسطس من عام 2001، أثناء الانتفاضة الفلسطينية المسلحة «28 سبتمبر 2000 - 8 فبراير 2005» ضد الاحتلال الإسرائيلى، وكان «البرغوثى» هو قائدها الميدانى، واكتسب وقتها شعبية هائلة لدى كل العرب الذين كانوا يشاهدونه فى الفضائيات إما على رأس مظاهرة حاشدة ضد الاحتلال يهتف فيها، أو أثناء تشييع جنازة شهيد، أو فى مؤتمر حاشد يلقى فيه خطابا، وكقائد ميدانى كان مميزا فى كل شىء حتى فى ثيابه التى لم تزد عن قميص وبنطلون أثناء الصيف، ويضيف عليها «سويتر» أو «بلوفر» فى الشتاء، وبهذه المواصفات كان «البرغوثى» نموذجا فذا لما يجب أن تكون عليه القيادة الفلسطينية، ولذلك كان هو المطلوب الأول من إسرائيل وهى تبحث عن كل الوسائل للقضاء على الانتفاضة الفلسطينية.
اتصلت به فى الأرض المحتلة على تليفونه المحمول الذى زودنى به رئيس التحرير وأستاذى وصديقى عبدالله السناوى، وطوال خمسة أيام متتالية كان الرد يأتينى من غيره، ويخبرنى إما أنه فى اجتماع مع الرئيس ياسر عرفات، أو فى المجلس التشريعى، أو فى أى مستوى تنظيمى آخر، وأخيرا رد هو مباشرة فى اليوم الخامس، ولما قدمت له نفسى، رد مرحبا: «أهلا بالقاهرة»، بمصر قلب العروبة، أهلا بالعربى «الناصرية» بإخوة النضال»، سألته عن الموقف على أرض الواقع، فأجاب: «الموقف هنا جيد على صعيد تماسكنا والإصرار على المضى فى نضالنا، معنويات شعبنا العظيم مرتفعة وقوية، والمقاومة تتصاعد يوميا، ولا تراجع عن خيار التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مهما كانت الظروف الصعبة التى نعيش فيها يوميا.
تناول الحوار قضايا عديدة منها، دعوته إلى محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلى شارون كمجرم حرب، وقصة فشل محاولة اغتياله مما اضطر إسرائيل إلى القول بأنهم لم يقصدوا قتله، ودعوته إلى حكومة وحدة وطنية فلسطينية لأن «الفصيل الذى يقدم الشهداء لا بد أن يشارك فى القرار الفلسطينى، وكانت آخر كلماته: «نحن نعتز بوقفة الشعب العربى إلى جانب نضالنا، أقول لأبناء شعبنا نحن نحتاج لكم، أى مظاهرة تخرج تعزز نضالنا وتشد أزرنا، وكل نقابة تؤيدنا أو مقال يكتبه صحفى، أو تحليل سياسى يقوله مفكر مؤيد لحقنا، يزيد من جذوة الانتفاضة، كما يزيدها كل تبرع من الشارع العربى يدفعنا إلى الصمود أكثر وأكثر ويسهم فى تجفيف دموع طفل استشهد والده، ويساعد أرملة فلسطينية على تربية أبنائها.. نحن جزء من الشعب العربى كتب عليه المواجهة فى ظرف تاريخى، فلا تخذلونا.