حينما اتخذت القيادة المصرية قرارها بتوجيه ضربة جوية لأماكن تمركز وتدريب الإرهابيين فى مدينة درنة الليبية، كانت المخابرات المصرية قد جمعت المعلومات الموثقة والمؤكدة عن هذه الأماكن، وارتباط الموجودين بها بحادث المنيا الإرهابى، وتم تحديد الإحداثيات وتمت الضربة بنجاح كبير وصلت نسبتها إلى %100، وأسفرت الضربة عن تدمير كامل للأهداف المخططة، التى شملت مناطق تمركز وتدريب العناصر الإرهابية، التى شاركت فى التخطيط والتنفيذ للحادث الإرهابى، وعادت نسور قواتنا الجوية إلى أرض الوطن بعد تنفيذ مهامها بنجاح.
على الجانب الآخر، كانت الدبلوماسية المصرية تقود معركة أخرى لا تقل أهمية عن الضربة التى وجهتها قواتنا الجوية لمعاقل الإرهابيين فى درنة، وبدأت المعركة الدبلوماسية منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الحادث الإرهابى بالمنيا صباح الجمعة الماضى، من خلال التحرك لحشد التأييد الدولى للتحركات المصرية للدفاع عن مواطنيها ومواجهة قوى الإرهاب والتطرف، ليس فقط فى الداخل، وإنما فى الخارج أيضاً، وجاءت هذه التحركات استكمالا لما بدأته وزارة الخارجية قبل الحادث بيوم تقريباً، حينما كلفت بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة لمخاطبة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بتوزيع خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام القمة الإسلامية-الأمريكية كوثيقة رسمية من وثائق كل من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وهى الخطوة التى استجاب لها مجلس الأمن، وقام بتوزيع الخطاب على الأعضاء، باعتباره وثيقة رسمية من وثائق المجلس، وهو الأمر الذى يعكس أهمية خطاب الرئيس ويوثق ما تضمنه من رؤية مصرية شاملة فى مجال مكافحة الإرهاب، ومن المنتظر أن تتخذ الجمعية العامة للأمم المتحدة نفس الإجراء بتوزيع البيان على جميع أعضاء الأمم المتحدة.
التحرك الدبلوماسى المصرى اتخذ عدة أشكال واتجاهات، الأول تمثل فى الشرح الذى قدمه وزير الخارجية سامح شكرى لنظرائه من خلال الاتصالات الهاتفية بطبيعة التحرك المصرى، والضربة التى وجهتها القوات الجوية المصرية لمعاقل الإرهاب فى شرق ليبيا، كونها تأتى فى إطار الدفاع الشرعى عن النفس، والتأكيد أيضاً على توافر كل المعلومات والأدلة على تدريب العناصر الإرهابية المتورطة فى حادث المنيا الإرهابى فى تلك المعسكرات، بالإضافة إلى تورطها فى حوادث إرهابية أخرى وقعت فى مصر مؤخرا.
وجاءت الخطوة المهمة، حينما سلمت بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة خطاباً إلى رئيس مجلس أخطرت من خلاله المجلس بأن الضربات الجوية التى استهدفت مواقع التنظيمات الإرهابية فى مدينة درنة بشرق ليبيا، تأتى اتساقاً مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المعنية بالحق الشرعى فى الدفاع عن النفس، ومع قرارات مجلس الأمن المعنية بمكافحة الإرهاب، وجاءت هذه الخطوة بعدما تحرك الوفد المصرى فى الأمم المتحدة فور وقوع الحادث الإرهابى لاستصدار الإدانة اللازمة من مجلس الأمن، وأصدر المجلس بياناً حيث أدان فيه بأشد العبارات الحادث، معربين عن خالص تعاطفهم مع أسر الضحايا وتعازيهم لحكومة مصر، كما أعاد مجلس الأمن التأكيد على أن كل أشكال الإرهاب وصوره تمثل تهديداً خطيرا للسلم والأمن الدوليين، مطالبا بضرورة محاسبة ومعاقبة منظمى وممولى وداعمى تلك الأعمال الإرهابية، كما طالب جميع الدول بتنفيذ التزاماتها، وفقا للقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبالتعاون الكامل مع حكومة مصر فى هذا الإطار.
ولا ننسى بالطبع أن مجلس الأمن قبل أيام، واستجابة للطلبات المصرية، أصدر قراراً بإجماع آراء الدول أعضاء المجلس للترحيب بالإطار الدولى الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابى ووضعه موضع التنفيذ، وهو الإطار الذى سبق أن نجحت مصر فى اعتماده بالإجماع كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن، وصدر القرار تحت رقم 2354، وهى الوثيقة التى تؤكد أهمية البعد الفكرى والأيديولوجى فى إطار الحرب العالمية على الإرهاب، الذى يروج لأفكار سامة لتبرير جرائمه ولتجنيد الشباب، بل ودفعهم نحو الانتحار، اعتقاداً منهم بأنهم يقومون بعمل سامى بطولى يستحق التضحية بالنفس، أخذاً فى الاعتبار أن مصر كانت سباقة فى إدراكها لأهمية التصدى لخطاب الإرهاب، ولها فى التصدى لهذا الخطاب على المستوى الدولى، خاصة من خلال مؤسساتها الدينية العريقة التى تحظى باحترام وتقدير العالم أجمع، وعلى رأسها الأزهر الشريف.
وكان لافتاً فى التحركات المصرية فى مجلس الأمن، أنها لا تركز فقط على مجرد اعتماد وثيقة جديدة تضاف إلى وثائق وقرارات مجلس الأمن، وإنما المطالبة بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وأيضاً التأكيد على أهمية توافر الإرادة السياسية لضمان التنفيذ الكامل لكل القرارات التى يصدرها المجلس، خاصة فى مجال مكافحة الإرهاب، فليس من المعقول أو المتصور أن تنعكس إرادة المجتمع الدولى فى القرارات الصادرة من مجلس الأمن تحديداً، فى الوقت الذى تستمر فيه شرذمة وقلة من الدول فى انتهاك تلك القرارات بشكل واضح وصريح بدعمها للإرهاب، وهى الرسالة المهمة التى نقلها السفير عمرو أبوالعطا، مندوب مصر فى الأمم المتحدة لأعضاء المجلس.
وللعلم، فإن القرار الصادر عن مجلس الأمن يطالب لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن، التى تترأسها مصر، بمجموعة من التدابير لمكافحة الخطاب الإرهابى، تشمل مواصلة تحديد والترويج للممارسات الجيدة المتبعة فى مكافحة الخطاب الإرهابى، واقتراح سبل لتعزيز التعاون الدولى فى هذا الصدد، ووضع نماذج للمكافحة الفعالة للخطاب الإرهابى، سواء على شبكة الإنترنت أو خارجها، ومواصلة استحداث مبادرات لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص فى مكافحة الخطاب الإرهابى، فضلا عن التواصل مع الجهات التى لديها خبرة وتجربة فى صياغة الخطاب المضاد، بما فى ذلك الجهات الدينية ومنظمات المجتمع المدنى وكيانات القطاع الخاص والجهات الأخرى، وتنظيم اجتماع مفتوح واحد على الأقل سنويا لاستعراض التطورات المستجدة عالميا فى ميدان مكافحة الخطاب الإرهابى.
الشاهد أن تنفيذ الضربة الجوية ضد معسكرات تدريب الإرهابيين فى مدينة درنة بنجاح، وردود الأفعال الدولية المتضامنة مع مصر وحقها فى الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها، يؤكد التناغم الشديد بين كل مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذى يميز النظام المصرى، وعلى رأسه الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يؤمن بأن لكل مؤسسة دورا يجب أن تؤديه، وأن التنسيق المستمر والدائم بين المؤسسات هو الذى يضمن نجاح أى خطة أو هدف.!