أمر صحى وطبيعى أن يحدث هذا الخلاف فى وجهات النظر بين الوزارات الاقتصادية، حول بعض مواد قانون الاستثمار، فالحوار الذى دار داخل مجلس النواب وملاحظات كل وزارة على القانون تؤكد أن مسار الحوار والنقاش لدينا أصبح منفتحاً للجميع، الكل يدلى برأيه، والقرار فى النهاية للأغلبية، دون وصاية من أحد على رأى الآخرين.
وبعيداً عن هذا الخلاف، فإننى على يقين بأن أهم شىء حدث هو أننا وصلنا إلى مرحلة أن يكون لدينا قانون للاستثمار، وهو مطلب داخلى وخارجى أيضاً، نجحت فى تحقيقه الوزيرة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى والاستثمار، التى سمعت الكثير من مستثمرين أجانب رغبتهم فى إصدار القانون الجديد للاستثمار، لأنه سيطمئنهم على أموالهم التى سيوجهونها للاستثمار فى مصر.
كلنا تابعنا النقاش على القانون، وكانت نقطة الخلاف الرئيسية مرتبطة بالمناطق الحرة الخاصة، فوزارة المالية كانت معترضة على إعادتها مرة أخرى، بينما تحمست وزارة الاستثمار لها، وفى النهاية أبقى القانون الجديد على المناطق الحرة الخاصة، بل إن نواب البرلمان طالبوا بضرورة وضع خطة متكاملة لضوابط الرقابة على هذه المناطق، لأنهم رأوا فى وجودها تسهيلا للمستثمر، لأنها ستتيح لأى قطاع أن تكون له منطقة استثمارية متخصصة، مثل الاستثمار فى الأخشاب أو الجلود أو التكنولوجيا.
وهذه المناطق قد تكون استثمارا داخليا أو منطقة حرة، أخذاً فى الاعتبار أن البيانات الحكومية تشير إلى أن المناطق الحرة ساهمت برؤوس أموال 5 مليارات دولار، وبلغ عدد المشروعات العاملة بنظام المناطق الحرة الخاصة 209 مشروعات حتى 31 مارس 2017 برؤوس أموال تجاوزت 5 مليارات دولار، وتكاليف استثمارية تجاوزت 11.3 مليار دولار، كما أن مشروعات المناطق الحرة الخاصة تساهم فى الحد من مشكلة البطالة بتوفير ما يقرب من 83 ألف فرصة عمل مصرية مباشرة بأجور سنوية تقدر بـ95 مليون دولار، بخلاف فرص العمل غير المباشرة التى تستفيد من خدماتها هذه المشروعات.
إذن المحصلة النهائية أن وجود المناطق الخاصة والتوسع فى إنشائها أصبح مهما وضروريا، لأنه كما سمعت وقرأت أيضاً فى تحليلات اقتصادية متخصصة، فإنها ستسهم فى زيادة الموارد المالية والإيرادات الضريبية للدولة بشكل غير مباشر فى الحصيلة الضريبية والجمركية، التى تسددها مشروعات المناطق الحرة الخاصة، حال قيامها بتصدير أى سلعة أو آلات أو معدات أو قطع غيار أو خامات ومستلزمات لا تنتج داخل البلاد إلى السوق المحلية، والحصيلة الضريبية على دخول الأشخاص الطبيعيين من الموارد البشرية العاملة فى مشروعات المناطق الحرة الخاصة، التى تخضع لقانون الضريبة الموحدة على الدخل، وحصيلة العملات الحرة من صادرات مشروعات المناطق الحرة الخاصة إلى خارج البلاد والسيولة، التى تستخدمها هذه المشروعات فى إدارة رأسمالها العامل، التى يتم إيداعها ببنوك ووحدات الجهاز المصرفى داخل البلاد، وتصب فى زيادة احتياطى النقد الأجنبى وبخزانة البنك المركزى، والحصيلة التى تسدد بالسعر الحر «قبل الدعم» لما تقوم باستهلاكه مشروعات المناطق الحرة من خدمات ومرافق الدولة «كهرباء- مياه وصرف لصحى- غاز طبيعى- وفود- وغيرها»، التى قدرت عام 2015 بما يقرب من 1.8 مليار دولار.
ورغم تفهمى لاعتراض وزارة المالية على وجود المناطق الخاصة، لكنى متأكد أيضاً أن هذا الاعتراض ليس له وجود فى الوقت الراهن، لأن قضية فشل المناطق الحرة كانت مرتبطة أساسا بمسألة الإدارة، لذلك ليس من المنطق أن نطالب بإلغاء شىء لمجرد أننا فشلنا فى إدارته، بل علينا أن نبحث عن وسائل أخرى للإدارة، طالما أن طريقة المناطق الحرة ناجحة فى كل دول العالم، وهو ما تحاول وزارة الاستثمار العملة عليه الآن.
وبعيداً عن الخلافات وغيرها، فالمطلوب حالياً أن ينسى الوزراء تحفظاتهم على القانون، وأن نرى تنسيقاً فيما بينهم لتطبيقه على أرض الواقع بالشكل الذى يفيد اقتصادنا، وهذه مسؤولية أعتقد أنها تقع بالكامل على عاتق الوزيرة سحر نصر، كونها المخاطب بشكل أساسى فى مواد القانون، التى منحها البرلمان حق إصدار اللائحة التنفيذية للقانون، لذلك عليها أن تضع إطارا للتعاون والتنسيق مع الوزارات الأخرى المعنية، وأن تضع فى أولوياتها الحوار الدائم والمستمر مع كل المعنيين، وأن تشرك الجميع فى وضع اللائحة التنفيذية، التى يجب أيضاً أن تلبى احتياجات المستثمرين وتعمل على إزالة أى معوقات تواجههم، وتساهم فى جذب الاستثمار، وأعتقد أن لدى الوزيرة من واقع زياراتها الخارجية المتعددة إلماما بالمشاكل التى تعترض عمل المستثمرين الأجانب فى مصر، وكذلك ما يحتاجه المستثمرون.
مطلوب من الوزيرة أيضاً أن تحول مواد القانون إلى واقع فعلى يستفيد منه الاقتصاد المصرى، وأن تهيئ المناخ الاستثمارى فى مصر لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، خاصة أن العقدة التشريعية كانت الهاجس الذى يؤرق الجميع، فضلاً عن البيروقراطية الإدارية القاتلة، التى يحاول القانون الجديد القضاء عليها، من خلال إنشاء مركز خدمة للمستثمرين وتشغيل منظومة التأسيس الإلكترونى، وتطبيق منظومة الدفع والتوقيع الإلكترونى بمنظومة تقديم خدمات الاستثمار، بما يسمح بإنهاء كل الإجراءات بشكل سريع.
كلنا نعلم أن الهدف من القانون الجديد للاستثمار هو تبسيط الإجراءات ووضع حد أقصى للفترة الزمنية لإنهائها، ووضع حوافز خاصة لجذب الاستثمار فى مناطق وقطاعات التنمية المستهدفة، ووضع إطار تشريعى يوفر المساواة بين كل المستثمرين، وتأكيد ضمان الاستقرار فى السياسات الاستثمارية، وسرعة تسوية المنازعات الاستثمارية، وهو أمر تدركه الوزيرة سحر نصر جيداً، لذلك عليها أن تعمل من الآن لوضع جدول زمنى لتنفيذ إجراءات تفعيل قانون الاستثمار، يتضمن إنشاء مركز اتصالات الاستثمار، والخريطة الاستثمارية التى تتولى عرض جميع الفرص الاستثمارية المتاحة للقطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى فرص الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحديد فرص الاستثمار فى المشروعات الكبرى فى المناطق الاستثمارية والمناطق الحرة، وكذلك المحافظات الأكثر احتياجا.