فاطمة ناعوت

مصر الجديدة كما يرجوها شبابُها

الأحد، 07 مايو 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عرفَ المصرىُّ القديم ما يُعرف اليوم بـ«قانون الجذب الفكرى»، وهو أرقى وأحدث أساليب تطوّر الإنسان وترقّى الجنس البشرى، وبهذا القانون، أو الأدق أن نقول، بتلك النظرية، صنع أجدادُنا العظام تلك الحضارة الأسطورية التى مازالت تُحيّر العالم، وسوف تظلّ أبد الدهر.
 
منذ منتصف القرن العشرين، بدأ علماءُ البرمجة اللغوية والعصبية يعيدون اكتشاف هذا اللغز البشرى المدهش، وطبّقوه على عظماء العالم، ثم أجمعوا بالأدلة التاريخية على أن جميع عباقرة الدنيا قد توسّلوا تلك النظرية وطبقوها فى حياتهم حتى صاروا ناجحين استثنائيين من فرائد هذا الكون.
تقول تلك النظرية ببساطة، إن الأفكار فى عقولنا لها ترددات أو ذبذبات خاصة، مثلها مثل الموجات الضوئية أو الصوتية أو الكهرومغناطيسية. كل فكرة تتكون فى عقلك لها «طول مَوجىّ» أو «تردّد» أو «ذبذبة» خاصة بها.
 
الفكرة الطيبة لها تردد، والفكرة الشريرة لها تردد مختلف، الفكرةُ الإيجابية لها تردد، والسلبية لها تردد مختلف. ثم ماذا؟ ثم يأتى الجزء الأخطر فى النظرية، وهو أن كلَّ تردد «يجتذب» الترددَ المقارب له، فالفكرة الطيبة تجتذب الأفكار الطيبة. وكذلك الأفكار الشريرة تجتذب مثيلاتها. فإن أنت فكرت بشكل إيجابى، سوف يعيد الكونُ ترتيب أوراقه ويأتى لك بالخير، وإن أنت فكرت بشكل سلبىّ فسوف تجتذب أفكارُك الشريرة ما يُشبهها، ويداهمك الشرُّ، وهذا ما يفسّر ظاهرة «الحسد»، وهو كذلك تأكيد لقول الله تعالى فى الحديث القدسى: «أنا عند ظنّ عبدى بى؛ فليظنَ بى ما شاء.» وهذا ببساطة هو فكرة كتاب «السرّ» The Secret الذى كتبته الأسترالية «روندا بايرن» وتُرجم لأكثر من ٤٥ لغة وباع أكثر من 20 مليون نسخة.
 
هذا ما اختار أن يصنعه الشاعرُ الغنائى الشابّ «رمزى بشارة»، لينتقد راهن مصر ويُفنّد مشاكلها، فى أغنيته الجديدة الجميلة: «مصر الجديدة»، التى غنّتها مجموعة من شباب مصر الجميل، لم تطرح الأغنية مشكلات مصر، بل ذكرت نقيضها الرغد، أو أحلامنا، كأنها واقع حىّ يُشادُ به، ويُشدى، لم يقل الشاعر فى الأغنية إن مصر تعانى من الفساد والفقر والمرض وانهيار التعليم والمحن الطائفية والجلسات العرفية وتهجير الأقباط وأطفال الشوارع والغلاء الطاحن وتدنّى الأجور وعجز الموازنة وتكسّب المسؤولين والهجرة غير الشرعية، وغيرها من كوارث مصر، بل على النقيض، تصفُ الأغنية بلادنا كأنها سويسرا أو اليابان:
«مفيش لا ظلم ولا فساد/ وفـكل حتة العدل ساد/ وأقولك إيه عالاقتصاد/ بقى مزدهر بقى فيه رخاء/ والفرحة بتعم البلاد/ مفيش ولا واحد فقير/فى بلادنا والأشغال كتير/ وبنعمل الحاجة بضمير/ والكل من غيبوبته فاق/ زغرطوا يابنات صقفوا يا ولاد/ للعيشة فيها مميزات/ وكل يوم فيه إنجازات/ تعليم/ وصحة/ والحاجات الحلوة يومياً تزيد/ وتطورات هايلة وجداد/ مفيش لا جلسات عرفية/ ولا حد بيكفر فىَّ/ ولا من بلدها منفية/ ومتهجّرة ناس بالتهديد/ فيه قانون وماشى على العباد/ لا فى عيال تحت كبارى/ نايمين محدش بيها دارى/ ولا ناس وظيفتها تدارى/ ومن همومنا بتستفيد/ ولا فيه ضمير متباع فـ مزاد/ حُرية/ لو ليك رأى تقول/ وبيقدروا يحاسبوا المسؤول/ سعر الشقق بقى فـ المعقول/ ومستوى الدخل ده بيزيد/ اذا مستوى الأسعار كان زاد/ العيشة 100 فل وعشرة/ مش كدبة أبداً ولا فشرة/ وأكبر دليل شوفوا النشرة/ أمن ورفاهية وترفيه/ من مدة مابنعملشى حداد/ عريس آهوه ومافركشتش/ عشان سنين وماحوشتش/ ولا حد رمى نفسه عمل «تِششش»/ فـ النيل من الهم اللى ماليه/ ولا حد لسه على استعداد/ مصر الجديدة عايزينها/ دمعتها تنشف من عالخد/ ولا حد يقدر يحزنها/ مصر الجديدة عايزينها كبيرة أد الدنيا بجد/ بالحق تعدل موازينها».
 
وتكتمل الصورة الواقعية «المريرة» فى بلادنا، وتصلُ الفكرةُ للناس، عن طريق الأسلوب الذكى الذى اختاره المخرج «مينا القمص بسادة» فى إخراج الكليب، بعدما يفتتحُ الكليب علم صغير لمصر فى يد طفلة جميلة تنظر للغد المشرق، تنهمرُ الكلمات المتفائلة الواعدة على ألسن المغنيين الشباب، وموسيقى وتوزيع «فادى طلعت»، ثم تباغتنا، بين الحين والآخر بعضُ صورٍ مقبضة مما تعانى مصرُ من كوارث: الإهمال الصحى، الفقر، الفساد، أطفال الشوارع، وغيرها. هنا يكتمل المعادلُ الموضوعى لترى عيونُنا: «الواقع» و«الحلم»، معًا جنبًا إلى جنب فى جديلة واحدة، مسموعة ومرئية، لأن بالضدِّ تتميزُ الأشياء، تحية احترام لمجوعة الشباب المثقف الذين أنجزو هذا العمل المدهش بجهودهم الذاتية البسيطة: قروش نحيلة، ومواهبُ كبيرة، ووطنية وحبّ لمصر لا نهائى. عماد نسيم - محمد على - مارينا رزق الله - كامل بطرس - نعمة إسحق - ديفيد عياد - نرمين وصفى- ستيفين دانيال- بيشوى مجدى- نانسى رسلة- ريهام عبدالمسيح، وتحية متجددة للمخرج الواعد، والشاعر المميز.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة